[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال أبو حيّان التوحيديّ: نجا من آفات الدنيا من كان من العارفين ووصل إلى خيرات الآخرة من كان من الزاهدين، وظفر بالفوز والنعيم من قطع طمعه من الخلق أجمعين، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على نبيّه وعلى آله الطاهرين.
أمّا بعد، فإنّي أقول منبّها لنفسي، ولمن كان من أبناء جنسي: من لم يطع ناصحه بقبول ما يسمع منه، ولم يملّك صديقه كلّه فيما يمثّله كلّه، ولم ينقد لبيانه فيما يريغه «١» إليه ويطلعه عليه، ولم ير أنّ عقل العالم الرشيد، فوق عقل المتعلّم البليد، وأنّ رأي المجرّب البصير، مقدّم على رأي الغمر «٢» الغرير فقد خسر حظّه في العاجل، ولعلّه أيضا يخسر حظّه في الآجل، فإنّ مصالح الدنيا معقودة بمراشد الآخرة، وكلّيّات الحسّ في هذا العالم، في مقابلة موجودات العقل في ذلك العالم، وظاهر ما يرى بالعيان مفض إلى باطن ما يصدق عنه الخبر، وبالجملة، الدّاران متّفقتان في الخير المغتبط به، والشرّ المندوم عليه، وإنّما يختلفان بالعمل المتقدّم في إحداهما، والجزاء المتأخّر في الأخرى، وأنا أعوذ بالله الملك الحقّ الجبّار العزيز الكريم الماجد أن أجهل حظّي، وأعمى عن رشدي، وألقي بيدي إلى التّهلكة، وأتجانف إلى ما يسوءني أوّلا ولا يسرّني آخرا، هذا وأنا في ذيل الكهولة وبادئة الشيخوخة، وفي حال من إن لم تهده التجارب فيما سلف من أيّامه، في حالي سفره ومقامه، وفقره وغنائه، وشدّته ورخائه، وسرّائه وضرائه، وخيفته ورجائه، فقد انقطع الطمع من فلاحه ووقع اليأس من تداركه واستصلاحه، فإلى الله أفزع من كلّ ريث وعجل، وعليه أتوكّل في كل سؤل وأمل، وإيّاه أستعين في كلّ قول وعمل.
قد فهمت أيّها الشيخ «٣» - حفظ الله روحك، ووكل السلامة بك، وأفرغ الكرامة عليك، وعصب كلّ خير بحالك، وحشد كلّ نعمة في رحابك ورحم هذه الجماعة الهائلة- من أبناء الرجاء والأمل- بعنايتك، ولا قطعك من عادة الإحسان إليهم، ولا
1 / 33