ثم إني- أيدك الله- ما أردت أن أجيبك عن كتابك لطول جفائك، وشدة التوائك عمن لم يزل على رأيك مجتهدا في محبتك على قربك ونأيك، مع ما أجده من انكسار النشاط وانطواء الانبساط لتعاود العلل علي وتخاذل الأعضاء مني، فقد كلّ البصر وانعقد اللسان وجمد الخاطر وذهب البيان، وملك الوسواس وغلب اليأس من جميع الناس، ولكني حرست منك ما أضعته مني، ووفيت لك بما لم تف به لي، ويعزّ علي أن يكون لي الفضل عليك، أو أحرز المزية دونك، وما حداني على مكاتبك إلا ما أتمثله من تشوقك إلي وتحرقك علي، وأن الحديث الذي بلغك قد بدد فكرك، وأعظم تعجبك، وحشد عليك جزعك، والأول يقول:
وقد يجزع المرء الجليد ويبتلي ... عزيمة رأي المرء نائبة الدهر
تعاوده الأيام فيما ينوبه ... فيقوى على أمر ويضعف عن أمر
على أني لو علمت في أي حال غلب علي ما فعلته، وعند أي مرض وعلى أية عسرة وفاقة لعرفت من عذري أضعاف ما أبديته، واحتججت لي بأكثر مما نشرته وطويته، وإذا أنعمت النظر تيقنت أن لله جلّ وعزّ في خلقه أحكاما لا يعازّ عليها ولا يغالب فيها، لأنه لا يبلغ كنهها ولا ينال غيبها، ولا يعرف قابها ولا يقرع بابها، وهو تعالى أملك لنواصينا، وأطلع على أدانينا وأقاصينا، له الخلق والأمر، وبيده الكسر والجبر، وعلينا الصمت والصبر إلى أن يوارينا اللحد والقبر، والسلام. إن سرّك- جعلني الله فداك- أن تواصلني بخبرك، وتعرفني مقر خطابي هذا من نفسك فافعل فإني لا أدع جوابك إلى أن يقضي الله تعالى تلاقيا يسر النفس، ويذكر حديثنا بالأمس، أو بفراق نصير به إلى الرمس، ونفقد معه رؤية هذه الشمس، والسلام عليك خاصّا بحقّ الصفاء الذي بيني وبينك، وعلى جميع إخوانك عاما بحق الوفاء الذي يجب عليّ وعليك، والسلام.
وكتب هذا الكتاب في شهر رمضان سنة أربعمائة «١» . [اهـ]
مؤلفاته:
ورغم حرقه لكتبه فقد ترك أبو حيان للمكتبة العربية من مؤلفاته الكثيرة والمتنوعة ما يضعه في مصاف الطبقة الأولى من المثقفين، فهذا ياقوت الحموي يذكر له في معجمه عدة كتب أهمها:
١- كتاب رسالة الصديق.
٢- كتاب الرد على ابن جني في شعر المتنبي.
٣- كتاب الإمتاع والمؤانسة [وهو الذي بين أيدينا] .
1 / 21