Wanita dari Kampung Kdis
امرأة من كمبو كديس
Genre-genre
ولا أحد ينسى ما تقدمه العراق وسوريا والقاهرة لليسار ماديا ومعنويا واستخباراتيا، وتذكر كيف انحاز الشارع كله - بما فيه أنت - في لحظة واحدة، لحظة صدق وطنية غالية إلى الحكومة الوطنية متمثلة في شخص الرئيس، مؤيدة له كحاكم أوحد للبلاد وقائد نهائي أبدي للجماهير. ولست وحدي من ترك المدرسة وانضم للجيش، آلاف مؤلفة من الشباب والعمال وكبار الموظفين وأساتذة الجامعات المنعمين تركوا مكاتبهم المكيفة والوجبات الساخنة واتجهوا إلى جبهات القتال في الشرق والغرب والجنوب والشمال، حيث كانت البلاد في حالة حرب مع الكثير من دول الجوار وكثير من المتمردين العملاء المحليين، إذا كان هذا هو الحال مع المواطنين - بالتأكيد كانت هناك قلة ضئيلة تمثل طابورا خامسا، فئة خائنة أتذكر - كيف تتهمني بشبق القتل لكوني وقفت مع الحق؟!
حسنا كما كتبت لك سابقا، الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، وسأبرر لك كل الأشياء من وجهة نظري أنا أيضا وسوف لن تظلمني. أول شخص قتلته، ولو أن كلمة قتلته بما فيها من قسوة لا تعبر عما فعلت به بالضبط، إلا أن قاموسي اللغوي - عكسك تماما - ليس به كلمات أخرى أكثر تعبيرا، المهم أنا متأكد بعدما تقرأ خطابي هذا ستجد كلمة أبلغ وأدق؛ كان أسيرا هزيلا، في الواقع لم نهتم باسمه فليس للأسرى أسماء، قبض عليه عساكري بعد معركة حامية الوطيس، خرجنا منها منهزمين، وبينما كنا ننسحب فارين - وأنا أكتب بالصراحة التي علمتني إياها، أي: أكتب الأشياء كما هي - إذا بنا نعثر على هذا الأسير مختبئا في خندق صغير وقد فوجئ بنا، رفع يديه مستسلما مستأمنا على حياته، طبعا مقابل التخلي عن حريته.
فأمرت بتقييد يديه وحراسته وأخذه معنا أسيرا، ولكن كنا مرهقين ومنهكين من الجري فوق الصخور والأعشاب الشوكية، وصندوق الذخيرة الأخير والوحيد يهد أكتاف العساكر ويتعبهم، فكر رقيب عجوز - دائما ما أنسى اسمه - بأن نفك وثاق الأسير ونحمله صندوق الذخيرة ونتركه يمشي أمامنا، هكذا كان سلفه يفعلون بالأسرى في الحروب، وكان دائما يقول: الأسرى ديل ما ينفعوا لشيء غير استعمالهم كحمير.
كانت فكرة صائبة وموضوعية أثنى عليها الجميع، وأنا لست إلا واحدا من الكتيبة، فربطنا صندوق الذخيرة على ظهره بحبل يمر تحت إبطيه، ولو أن الأسير كان هزيلا إلا أن بعظمه قوة بغل، ربما وهبها الخوف له، الخوف من الموت؛ لأنه إذا فشل في حمل الصندوق يعلم تمام العلم أنه ميت لا محالة، فإذا لم يصلح لشيء فمن الأحسن (يتفسح).
في الحقيقة كان المشي على الأشواك وبقايا الشجيرات والأعشاب الكثيفة متعبا عندما أجبرنا عدة مرات على خوض برك الطين ومرة أخرى أجبرنا على طلوع جبل صغير، وكان من حقه أن يتعب ضعف؛ بل أضعاف تعبنا نحن، طلب أن نسمح له بأخذ بعض الراحة؛ لأن الحبل الذي أدمى كتفه وإبطيه أصبح لا يطاق وقال: الحبل قاعد يضبحني ضبح.
فانتهرته بلهجة عسكرية آمرة أن يجد في السير: وإلا.
كان يمشي كالسكران، يشوط الحجارة ببوته ويخوض الوحل يقع، يرفعه العساكر على قدميه، يقع، يرفعونه، نهدده، يقع ويقوم مثل السكران أخيرا تكوم تحت شجرة مانجو كبيرة وأخذ يشخر من التعب مثل الثور المذبوح، العرق يملأ ملابسه كلها أما وجهه كأنه جمام، ولكن الغريبة فمه جاف وأبيض، كان شكله مزريا وقبيحا وبدأ يؤثر على نفسيات العساكر، فقلت له: قوم ولا نملاك نار!
وشلته جندي في بطنه لحكمة كان يعرفها العساكر بأن الشلوت في البطن مفيد للرأس القوي.
ضربة عسكري همام آخر على وجهه لحكمة أخرى لا أعرفها أنا، وصرخ واحد في أذنيه لحكمة عادة لا يفصح عنها ضباط الصف، وعندما تكلم قال: الموت أحسن، أحسن الموت، أنتم بشر ولا حيوانات!
وهنا لا بد أن أستخدم سلطتي العسكرية وإلا تعطلنا عن الانسحاب، وربما يلحق بنا العدو، فأمرت بالعد من واحد إلى عشرة كفرصة أخيرة له في أن ينهض ويشيل صندوق الذخيرة وينسحب معنا إلى أقرب نقطة ارتكاز، وإلا أمطرته بالرصاص.
Halaman tidak diketahui