Iman dan Pengetahuan serta Falsafah
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Genre-genre
حكم الوسط الزماني والمكاني: فهذا الوسط الذي تكون على مدى الأجيال المتعاقبة من تفاعل ملايين الإرادات الإنسانية مع عوامل الطبيعة الأخرى له في إرادة كل فرد منا أعظم تأثير. فإن منها تتكون الأفعال الاجتماعية، والأنظمة السياسية والقوانين الإجبارية، والاعتبارات الأخلاقية. وهذه كلها وما سواها من الأفعال الاجتماعية تشترك في صفة مميزة هي إكراهها كل فرد على اتباعها، وجعلها إرادته تتكيف على النحو الذي تقتضيه. (2)
حكم الوراثة: وله في كل منا أثر مباشر في تكوينه الجسمي والعقلي. ومعلوم أن هذا التكوين له شأن كبير في حركاتنا وسكناتنا، وفي جميع تصرفاتنا، وفي نظرنا إلى الحوادث والأشياء وسائر ما في الحياة. وبكلمة أخرى في أحكام إرادتنا على كل ما جل ودق من الأعمال. (3)
حكم العادة: فلكل فرد على حسب ما كونته الأوساط التي نشأ فيها، وعلى حسب تأثير وراثته عليه وما انتابه من حوادث المرض والزواج، والوظيفة التي يؤديها في الحياة نظم يسير عليها، وتؤثر فيه أشد التأثير. هذه النظم هي عاداته الفردية التي كونها لنفسه، والتي أصبحت - كما يقولون - طبيعته الثانية. وهو كلما فكر في أمر من الأمور حكمته تلك العادات في التفكير وفي اتجاه إرادته. خذ مثلا لذلك شخصا اعتاد التدخين أو اعتاد تناول أدوية معينة في أوقات معينة، فترى أن هذه العادات لها في تصرفاته أثر كبير. كم ترى معتاد التدخين منحرف المزاج ضيق الصدر مسرعا في الحكم إذا هو لم يجد سيجارته حاضرة تحت يده عند طلبه إياها، وكم تراه ساعة التدخين ميالا في تفكيره إلى طريق الأحلام والأماني. ثم كم ترى السقيم المعتاد تناول المورفين بعيدا عن الابتهاج بالحياة وما فيها إذا منع عنه. (4)
حكم المصادفة: ليس من ينكر أن مصادفات في الحياة غير منظورة خلقت له مركزا خاصا جعله ينظم حياته على شكل دون آخر، من غير أن يكون له دخل في تلك المصادفات مطلقا.
فهذه العوامل التي تؤثر في حياتنا وإرادتنا، وتتأثر هي بأعمالنا وتنتقل إلى الجيل الذي بعدنا محملة بماضي الإنسانية الطويل مؤثرة في ذلك الجيل الجديد، تترك الفرد منا وشأنه في وسط هذا العالم الهائل شأن أي ذرة أخرى من ذراته تسير في نظامه محكومة بقوانينه الخالدة غير مستطيعة لنفسها نفعا ولا ضرا.
قد يرد على هذه الحجج كلها اعتراض يجب عدم إهماله. وذلك أننا في كل اعتباراتنا المتقدمة كنا دائما ننظر إلى الإرادة المطلقة، كأنها مثال الإرادة التي تطلب للإنسان. وأنا كنا نمثل الشخص الكامل الاختيار كأنه الشخص الذي يسير على غير قانون ونظام. وفضلا عن هذا فكأنا أغفلنا فكرة الإرادة النسبية إغفالا تاما. فإذا صح ما قدمنا من أن الإرادة الفردية محكومة بقوانين تحدد اختيارها إلى حد كبير، فإن في هذه القوانين من السعة والتسامح ما يجعل لهذه الإرادة مجالا في العمل واسعا.
وفضلا عن ذلك فقد كان بحثنا كله دائرا حول الفرد معتبرا إياه ذرة من الوجود متأثرة بما حولها. وما دام ذلك فلا يمكن إلا التسليم بأن كل إرادة يجب أن تخضع لمقتضى قوانين الحياة. ولكن الواجب أيضا أن ننظر إلى الفرد كوحدة قائمة بذاتها مؤثرة في الحوادث مصرفة لها على نحو معين ومشكلة إياها بشكل خاص. أي: إنه يلزم لمعرفة مقدار حرية الإرادة أن ننظر إلى هذه الإرادة حين تفاعلها مع الحوادث كمؤثرة فيها قبل أن تكون متأثرة بها، ونقدر مبلغ ما لها من التصرف في هذا التأثير. وذلك يتحتم أكثر إذا علمنا أن العوامل المؤثرة في الإرادة هي عوامل عامة على الغالب مشتركة بين كل الأفراد. فإن ما سميناه نحن حكم المصادفة يسير هو نفسه إلى حد كبير على نظام يصيب الأفراد منه بالنسبة لأثره في إرادتهم - لا في حظهم - قدر غير قليل. فإذا نحن أخذنا هذه العوامل المؤثرة على اعتبار أنها متساوية في فعلها في الإرادة، ونظرنا إلى الإرادة بعد ذلك مجردة عنها كان لنا أن نحكم أن لها في الحياة اختيارا يصرف حياة الفرد، وكثيرا ما يمسك بيده تصريف حياة الكون كله في مدة غير قصيرة من الزمن.
وقد يضرب المعترض مثلا إرادات مصرفة يجدها قاومت نظام الكون، وغالبت قوى الطبيعة وتمكنت من إخضاعها، ووصلت من ذلك إلى المدنية الحالية وما فيها من المخترعات والعجائب، ولو أنها اتبعت نظام الطبيعة وسارت على قانون أقل مجهود لبقي العالم متلمسا في ظلامه القديم. لكن تلك الإرادات القديرة عملت ونجحت في إخضاع أقسى ما نعانيه في الحياة. فدعاة الأديان أثروا في العالم بتعاليمهم تأثيرا كبيرا، وكذلك نابليون بونابرت بحروبه وأعماله وقانونه المدني. وجوستنيان في التشريع الروماني. فهل هذه النفوس التي أقامت المدنية، وأحيت تاريخ الإنسانية ونشرت العلم والنور والهدى والحضارة ذرات تسير في نظام الكون محكومة بقوانينه الخالدة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، وهل هذه الإرادات القوية التي غلبت حياة الوجود لم تكن إلا عجينة شكلتها ظروف الوسط وأحكام العادة، ومؤثرات الوراثة من غير أن يكون لها في نفسها أثر.
هذا وجه الاعتراض الذي يوجه في مثل هذه الأحايين. ولسنا نقف دون هذا الاعتراض أو نحسبه يغير شيئا من صحة ما قدمناه. فإن تحليلا بسيطا لهاته النفوس الممتازة، وما أحاط بها يجعلنا نؤمن تمام الإيمان بأنه لم يكن لأصحابها من الإرادة في عملهم إلا بمقدار ما أجبرتهم على السير فيه ظروف الحياة، كما أن الوقوف عند الإرادة الفردية لذاتها وتجريدها من العوامل المشتركة التي تؤثر فيها تظهر لنا هذه الإرادة قوة عمياء لا تتحرك بنفسها، ولا تتصرف باختيارها، ولكنها تنتظر عوامل خارجية تدفعها للسير في الطرق التي نرسمها لها.
ومن أجل أن نصل إلى ذلك بحجج بينة واضحة يجب أن نفهم أولا ما هي الإرادة وكيف نريد؟ كان الكتاب الأقدمون يحسبون الإرادة قوة من قوى الروح، والروح عندهم شعاع لطيف خارج عن مادة الجسم سرى فيها سريان الريح في الورد، والزيت في الزيتون، والنار في الفحم، مؤثر فيها غير متأثر بها. وكأن ريح الورد وزيت الزيتون ونار الفحم كانت في نظرهم قوى خارجة عن المواد التي تسري فيها، وعلى ذلك كانت الإرادة عندهم قائمة بذاتها تكافح ثورات الجسم أحيانا، وتناهض ما قد تتجه نحوه شهواته ورغائبه، وكما أن ذلك في مقدور هذه القوة، فقد بنوا عليه تكليف الإنسان اتباع الخير وتوجيه إرادته نحوه، واجتناب الشر وتوجيه إرادته ضده، واعتقدوا أنه مهما كانت الميول الإنسانية شريرة بطبعها، فإن قوة الإرادة تكفي لتقويم عوج الطبيعة بمكافحة هذه الميول ومناضلة الطبيعة. وهذا هو عندهم أساس المسئولية.
Halaman tidak diketahui