Iman dan Pengetahuan serta Falsafah
الإيمان والمعرفة والفلسفة
Genre-genre
على أن الحضارة اليونانية التي اتخذ منها الغرب أساس نشاطه في القرون الأخيرة كانت تمسكها روح من الخلق أهملها الغرب إلى حد كبير كأساس من أسس حياته، وإن لم يهملها مفكرو الغرب في مضارباتهم النظرية التي لا يستطيع أحد أن ينكر قوتها وغناءها.
أهمل الغرب روح الخلق هذه؛ لأن طريقة العلم لا تعتمد على شيء غير الحس. وقد انتقلت هذه الطريقة من العلم إلى الفن، وبالغ الفن فيها حتى جعل من الحس كل شيء، وحتى خضع لسلطان الحس وشهواته خضوعا تراه واضحا في الأدب كما تراه واضحا في الصور والتماثيل. ولما كان العلماء يعزون طرائقهم إلى اليونان القديمة، فقد عزا الفنانون طرائقهم كذلك إلى اليونان القديمة. ولقد أذكر بحثا قرأته منشورا في مجلة (المركير دفرانس) منذ سنوات يبين البون العظيم بين تصوير الفن اليوناني للحياة، وتصوير الفن الأوروبي الحاضر لها. فمن النظريات التي خرجت مجرى الحقائق عند أرباب الفن أن الجمال العريان يوناني قديم، وهو لذلك طاهر عفيف. وأخذا بهذه النظرية جعل كثيرون من كبار المصورين والمثالين في القرون الأخيرة الجسم العاري للرجل والمرأة موضع دراستهم وبحثهم وتصويرهم ونحتهم. وأنت إذ تعود إلى كتاب ككتاب ريشين عن الميثولوجيا الإغريقية القديمة ترى فيه صورا بديعة لأنجز ورمبرانت ورويفس وغيرهم، وأكثرها يمثل آلهة اليونان وإلاهاتهم عارية يبهر جمال عريها الإحساس والإبصار.
وتطبيقا لهذه القاعدة أصبح تمثيل الجمال العريان ممتدا على أوسع جبهات ميادين الفن في العصور الأخيرة جميعا. على أن صاحب البحث الذي أشرت إليه في (المركير دفرانس) يعارض هذه القاعدة وينقضها نقضا علميا. فالجمال العريان ليس قديما، وليس هو لذلك طاهرا ولا عفيفا. والدليل على ذلك ما خلف السلف اليونان أنفسهم من آثارهم. فأنت لا تجد من الصور العارية التي تمثل الآلهة ذكورا كانوا أم إناثا إلا تمثالا واحدا للزهرة. أما ما سوى هذا التمثال فكاس، وبالغ كساؤه حد الحشمة والوقار. ويشير الباحث كذلك إلى أن الفن المصري القديم الذي سبق اليونان وفنها كاس هو الآخر. ولم نعرف التماثيل العارية إلا للمرانة في الألعاب الرياضية؛ لأن جسم هؤلاء وتكوينه هو في الغالب فيهم على الروح وجمالها. وإنما اختط القدماء في الفن هذه الخطة؛ لأنهم كانوا يتوسمون في الجمال صورة غير ما تصبو إليه رغبات الحس وحدها، هذه الرغبات المادية التي تنسى سامي مطامح النفس إلى المثل الأعلى، والتي تحرك في المجموع من وضيع الشهوات ما قد يقمعه العلم في نفس العالم أو الفن في نفس الفنان؛ أو قد يتهاون العالم أو الفنان فيه حين يكون هو لسواد الجماعة سبب شقوة وتعس. والحضارة الصحيحة هي التي تغلب بوسائلها الفعالة على أسباب الشقوة والتعس.
لا بد إذن من مثل أعلى تؤمن به الجماعة، وتجد من تطلعها إليه وهيامها به ما ينسيها ما في الحياة من هم وبأساء. وهذا المثل الأعلى لم يكن يوما من الأيام مطمع العلم. إنما كان مطمع العلم الوصول إلى الحقيقة المحسوسة. وليس في أي من المحسوسات ما يستلزم تطلع الجماعة إليه وهيامها ببلوغه؛ لذلك جعل الدين في الدار الآخرة موضع الأمل الأسمى والرجاء الذي لا رجاء بعده؛ ولذلك تضافرت الأديان كلها على وصف ما في الدار الآخرة من نعيم يعوض عن شقاء الحياة ومتاعبها. فقليلون أولئك الذين يجدون في صور الحياة التي نحياها، وفي آداء الإنسان واجبه في الحياة ما يكفي لنسيان المرء نفسه في واجبه، وفي القيام بأداء هذه الواجب. ولئن رأى بعضهم في هذا التصوير للحياة الآخرة تصويرا ماديا، ورأوا لذلك أن السعادة كل السعادة في إدراك كل ما تحتوي عليه المادة من جمال وحق وتحصيله، ورأوا لذلك في جهود العلم كي يخضع قوى الكون لسلطان الإنسان ومتاعه محققا في هذا العالم لما يصبو إليه في العالم الآخر، فإن ذلك لن يروي ظمأ النفس الإنسانية، وظمأ الجماعة بنوع خاص، إلى مثل أعلى قد يكون محالا أمام العقل إدراكه؛ ولكن في هذه الاستحالة نفسها موضعا لطمأنينة النفس إلى أنها تجاهد في سبيل ما ترجو من سعادة، وأنها بقوة إيمانها لا تحكم عقلها؛ قد تصل يوما إلى بلوغ هذه السعادة المنشودة. «إذا ملأ الإيمان قلبي وقلت لهذا الجبل: انتقل من مكانك ينتقل». وقد ملأ الإيمان بالعلم قلوب أهل العصور الأخيرة ، فنقلوا الجبال وملكوا عنان الجو، وسخروا الكثير من قوى الوجود. لكن هذا ليس هو الحضارة المأمولة التي تملأ قلب الإنسان بالإيمان ليطلب السعادة فيكون سعيدا، هذا الإيمان بالسعادة يجب أن نبحث عنه في آثار الفراعنة، ومن تأثروا بحضارة الفراعنة، فخلدوا من آثارهم ما خلد نفوسهم وأرواحهم. ويجب أن نبحث عنه بعد ذلك في الحضارات والأديان التي تلت الحضارة الفرعونية والديانة الفرعونية، وأن نرى الصلة بين هذه الحضارات والحضارة الأولى. نعم يجب أن نبحث الإيمان على أنه واقعة اجتماعية لا حياة للجماعات بدونها، وعلى أنه لذلك حقيقة اجتماعية وجدت في كل الأزمان والأماكن، فإذا شذت عنها طائفة من الناس، فقد كانت هذه الطائفة وما تزال أقلية صغيرة. ولم تقل هذه الأقلية يوما إن ما تقف عليه من العلم كفيل بسعادة الإنسانية، وبتهوين آلام الحياة على الناس فيها.
مثل هذا البحث والوصول فيه إلى شيء قمين أن يصل بنا لأن نضع أمام الجماعات الإنسانية مثلا أعلى يصبو إليه الإيمان الإنساني، ويتعلق به ويرجو من ورائه بلوغ السعادة التي ينشدها.
وليس كمصر ميدان لهذه المباحث: ففيها نشأت الحضارة الأولى، وعليها تقلبت كل الحضارات والأديان التي تبعتها. عرفت مدرسة الإسكندرية فلسفة الإغريق وحضارتهم. ثم انتقلت إليهما المسيحية مع الحكم الروماني، وكان للحضارة الإسلامية فيها مظاهر قوية غاية القوة. وهذه الحضارات التي تعاقبت على مصر تأثرت كلها إلى حد كبير بالحضارة الفرعونية الأولى، وأثرت فيها وما تزال آثارها باقية إلى اليوم، لا في البرديات والمقابر وكفى، بل في نفوسنا نحن الذين نعمر مصر بعد الفراعنة بكل ما مضى عليهم من ألوف السنين. كذلك كنا أجدر بأن نقوم بهذه الدراسة، وكان من حقنا أن نطمع في هذا التوفيق بين العقل والروح نقيم من هديهما الحضارة التي يلتمسها العالم اليوم في أبحاثه المختلفة.
مثل هذا المجهود الذي نطالب أبناء وطننا به مجهود ضخم هائل قد ينوء به جيل كامل. لكن فخر إقامة حضارة تعم العالم أكبر من أن يهتز أمام أعبائه جيل أو أجيال. فسيكون فخر مصر في عصورها جميعا؛ وسيكون لأبنائنا وحفدتنا موضع زهو وإعجاب، ثم هو يكون للعالم نورا يهديه الطريق إلى ما يستطاع بلوغه من السعادة.
كنت أود لو أذكر شيئا عن واجب الجامعة المصرية في هذا الشان ... ولكني أشعر بأني ألقيت من قبل على الجامعة تبعات كثيرة لما تقم بها، فليفكر الأفراد بادئ الأمر في ما أدعو إليه، وإني مؤمن بأن ما أدعو إليه عظيم.
الفصل الرابع
القدرية والجبرية أو الاختيار والاضطرار1
Halaman tidak diketahui