حكم الله وحكم رسوله في القضايا والوقائع والأحداث والشخصيات، وليس بمعصوم ﵀، ولكنه مجتهد مصيب في الغالب، وغالب أقواله إن لم تكن هي البرهان الراجح والموقف الصحيح، فليست أقوالًا شاذة، ولا مخالفة لصريح الكتاب والسنّة، وأين يجد المرء مثل شيخ الإسلام؟ ! ! .
وخير من ينبئ عن منهج شيخ الإسلام في التصنيف الحافظ ابن عبد الهادي حيث يقول: "وكان يكتب الجواب، فإن حضر من يبيضه، وإلا أخذ المسائل خطه وذهب، ويكتب قواعد كثيرة في فنون العلم: في الأصول والفروع والتفسير وغير ذلك، فإن وجد من نقله من خطه، وإلا لم يشتهر، ولم يعرف، وربما أخذه بعض أصحابه، فلا يقدر على نقله، ولا يرده إليه فيذهب ..
وكان كثيرًا ما يقول: قد كتبت في كذا وفي كذا، ويسأل عن الشيء فيقول: قد كتبت في هذا، فلا يدري أين هو، فيلتفت إلى أصحابه، ويقول لهم: ردوا خطي وأظهروه، لينقل، فمن حرصهم عليه لا يردونه، ومن عجزهم لا ينقلونه، فيذهب ولا يعرف اسمه ..
فلهذه الأسباب وغيرها تعذر إحصاء ما كتبه وما صنفه .. " (١).
ويلمح ابن عبد الهادي إلى دور الظروف والأحداث التي أحاطت بشيخ الإسلام في طبيعة مصنفاته فيقول: "إلا أنه لما حبس تفرق أتباعه، وتفرقت كتبه، وخوّفوا أصحابه من أن يظهروا كتبه، ذهب كل أحد بما عنده وأخفاه، ولم يظهروا كتبه، فبقي هذا يهرب بما عنده، وهذا يبيعه، أو يهبه، وهذا يخفيه ويودعه، حتى إن منهم من تسرق كتبه أو تجحد، فلا يستطيع أن يطلبها، ولا يقدر على تخليصها، فبدون هذا تتمزق الكتب والتصانيف، ولولا أن الله تعالى لطف وأعان ومنّ وأنعم، وجرت العادة في حفظ أعيان كتبه وتصانيفه لما أمكن لأحد أن يجمعها .. (٢).
ويقول البزار في الأعلام العلية بعد أن تحدث عن كتبه: "وأما فتاويه
_________
(١) العقود الدرية (٤٨).
(٢) المصدر السابق (٤٨).
1 / 58