بل إن شيخ الإسلام ليذهب في الكتاب الذي نقوم بتحقيقه إلى أن الإيمان "مأخوذ من الأمن، الذي هو الطمأنينة، كما أن لفظ الإقرار مأخوذ من قر يقر، وهو قريب من آمن يأمن. . . فالمؤمن داخل في الأمن" (١).
وذكر صاحب لوامع الأنوار هذه الأقوال الثلاثة (٢).
على أن بعض علماء اللغة ذكر الاتفاق على أن الإيمان في اللغة هو التصديق (٣)، وادعى بعض المتكلمين -كالباقلاني- الإجماع على ذلك (٤)، ودعوى الاتفاق ومن باب أولى دعوى الإجماع محل نظر، فقد رأينا أن بعض علماء اللغة ذكروا أن من معاني كلمة الإيمان في اللغة الأمن.
على أن هناك مسألة هامة ينبغي التنبيه لها في أثناء الخوض في هذه القضية، وهي أن كثيرًا من علماء اللغة -خصوصًا المتأخرين منهم- متأثرون بعلم الكلام واصطلاحات المتكلمين، ومن هنا وجب الحذر في النظر فيما يتكلمون في من ألفاظ ومعانٍ تعلق بمصطلحات العقيدة.
وأما الإيمان في الاصطلاح:
فقد تعددت الأقوال فيه (٥):
١ - فأهل السنّة والجماعة الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة يقولون: الإيمان قول وعمل، فالقول يشمل قول القلب وقول اللسان، والعمل يشمل عمل القلب وعمل الجوارح، أو هو: اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح.
٢ - والخوارج والمعتزلة يقولون كظاهر قول السلف: الإيمان اعتقاد بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح.
_________
(١) شرح حديث جبريل (٤١٤).
(٢) لوامع الأنوار البهية للشيخ محمد بن أحمد السفاريني (١/ ٤٠٤).
(٣) كما ذكر ذلك ابن منظور على سبيل المثال في لسان العرب (١٣/ ٢١).
(٤) سيأتي الكلام عن الرد على هذه القضية عند التعرض لمناقشة المذاهب في الإيمان.
(٥) نود التنبيه إلى أن توثيق هذه الأقوال من مصادرها قد تم خلال تحقيق متن الكتاب.
1 / 15