172

1

يا طفلتي العزيزة، فلست - بأية حال - شديد الإصرار على ما قلت، وإنما أعتزم أن أكون رفيقا بك.»

وما إن قال هذا حتى ربط جياده البرونزية الحوافر، السريعة العدو - ذوات المعرفات الذهبية المتموجة - إلى عربته، ثم لف بالعسجد جسمه، وأمسك بالسوط الذهبي المتين الصنع، واعتلى مركبته، ومس الجياد بالسوط ليحثها على الانطلاق. فعدت - لا تلوي على شيء - بين الأرض والسماء ذات الكواكب. وانطلق بها إلى أيدا - الكثيرة النافورات، أم الحيوانات المفترسة - وإلى جارجاروس حيث يوجد معبده ومذبحة العطر الأريج. وهناك أوقف أبو الآلهة والبشر جياده، وخلاها عن العربة، وسكب عليها غماما كثيفا، ثم جلس هو فوق أعالي قمم الجبل يتلألأ في مجده، ويطل على مدينة الطرواديين وسفن الآخيين.

المعركة في يومها الثاني

تناول الآخيون - ذوو الشعر المسترسل - طعامهم بسرعة في أكواخهم، حتى إذا انتهوا منه، قاموا فارتدوا حللهم الحربية. وحذا الطرواديون حذوهم - من ناحيتهم - فسلحوا أنفسهم في جميع أنحاء المدينة، وكانوا أقل نفرا، ولكنهم كانوا تواقين إلى خوض القتال، تدفعهم الحاجة الماسة، من أجل أطفالهم وزوجاتهم. وكانت جميع الأبواب مفتوحة، فتدفق الجيش بسرعة، مشاة وركبانا، وارتفع الصخب والضجيج.

وما إن التقى الجمعان في صعيد واحد، حتى قرعوا تروسهم ورماحهم، في حماس المقاتلين المدرعين بالبرونز، واصطكت التروس المرصعة بعضها ببعض، وانبعث لها ضجيج مرتفع، وما لبثت الإناث أن سمعت مع صيحات النصر، وأصوات القاتلين والمقتولين معا، وتخضبت الأرض بالدماء.

وطوال الصباح، والنهار المقدس يزداد وضوحا، ظلت القذائف تنطلق من كلا الجانبين نحو أهدافها، وراح الرجال يسقطون. حتى إذا تجاوزت الشمس كبد السماء، رفع الأب كفتي ميزانه الذهبيتين، ووضع فيهما مصيرين من الموت المفجع؛ واحدا للطرواديين مستأنسي الخيول، وآخر للآخيين المتدثرين بالبرونز. ثم أمسك قب الميزان من منتصفه ورفعه فهبطت على الفور الكفة التي حملت يوم موت الآخيين.

وهكذا هوت أقدار الآخيين إلى الأرض الحنون، وارتفعت أقدار الطرواديين عاليا إلى السماء الفسيحة. ثم أرعد الإله عاليا من «أيدا» وأرسل وميضه المستعر وسط جيش الآخيين، فلما رأوه استولى عليهم الذهول وتملكهم الذعر المخيف أجمعين!

ومن ثم لم يجرؤ «أيدومينيوس» على الصمود، ولا أجاممنون، بل ولا البطلان «أياس» - خادما أريس - ولكن نسطور الجيريني، حامي الآخيين ثبت في وقفته، لا عن قصد وإنما لأن جواده كان قد أصيب بجرح بالغ، أحدثه «باريس» العظيم - زوج هيلينا ذات الشعر الفاتن - بسهم فوق الجمجمة - ففي هذه البقعة أهم مقتل للجياد - ومن ثم وثب الجواد عاليا في ألم، فنفذ السهم إلى مخه، وأشاع الفوضى بين جياد العربة وهو يتلوى جامحا.

وبينما قفز الرجل المسن بعيدا، وأخذ يقطع الأعنة بسيفه، أقبلت جياد «هكتور» السريعة وسط الهرج، يقودها سائق جريء، هو «هكتور» نفسه. وكان لا بد للكهل من أن يفقد حياته، لولا أن «ديوميديس» - البارع في صيحة الحرب - بادر إلى الانتباه فأرسل صيحة مفزعة، وحث «أوديسيوس» بقوله: «هيا يا ابن لايرتيس المولود من زوس، يا أوديسيوس، يا كثير الحيل، إلى أين تهرب موليا ظهرك - وسط الحشد - كالجبناء؟ حذار أن يغرس شخص رمحه بين كتفيك أثناء فرارك. كلا، بل قف في مكانك حتى تصد عن الكهل عدوه المهتاج!»

Halaman tidak diketahui