عندئذ حدجه ديوميديس بنظرة غضب من تحت حاجبيه وقال: «لا تحدثني عن الفرار قط، فلن يجول بخاطري أن تحثني عليه، وما جبلت على القتال الخفي أو الهرب، فما زالت قوتي ثابتة. وليس في نيتي أن أركب عربة، بل سأذهب لمواجهتها كما أنا، وأعتقد أن الربة أثينا لن تحتمل جبني. أما هذان، فلن ترجع بهما جيادهما السريعة من عندنا. حتى ولو قبضت النجاة لأحدهما أو للآخر! وسأقول لك شيئا آخر، فاحفظه عني في قلبك: لو منحتني أثينا، التي تفيض حكمة، شرف قتل كليهما، فهل لك أن تحتفظ هنا بهذه الجياد السريعة، وتربط الأعنة بقوة إلى جانب العربة. ولا تنس أن تهجم على جياد أينياس، وتنطلق بها من عند الطرواديين إلى جيش الآخيين المدرعين جيدا. فإنها من نفس القطيع الذي أعطى منه زوس، الذي يدوي صوته إلى بعيد، بعض الجياد إلى «تروس» تعويضا له عن ابنه «جانوميديس»،
8
لأنها أكرم جميع الجياد التي يضيء فوقها الفجر وتشرق عليها الشمس. ومن هذا القطيع سرق «أنخيسيس»، ملك البشر، السلالة، بأن وضع أفراسه وسطها دون علم «لاوميدون»، فولد له من هذه في قصره ستة جياد، احتفظ لنفسه بأربعة منها، رباها في حظيرته. أما الجوادان الآخران فقد أعطاهما لأينياس، فكانا مثيري الشغب، فلو استطعنا القبض على هذين الرجلين، نلنا شهرة فائقة.»
هكذا كانا يتكلمان في هذا الأمر، أحدهما إلى الآخر، وسرعان ما اقترب منهما الآخران يقودان الجوادين السريعين. فتحدث إليه ابن لوكاون المجيد أولا بقوله: «أيا ابن توديوس الجليل، أيها المقدام الحكيم القلب، حقيقة أن سهمي السريع لم يخضعك، ذلك السهم المرير، لكني سأختبرك الآن برمحي، لعلي أن أصيبك!»
قال هذا، ثم اعتدل وقذف بالرمح الطويل الظل، فأصاب ترس ابن توديوس، وفي الحال اخترق طرف الرمح البرونزي الترس ووصل إلى درقته. فصاح عندئذ ابن لوكاون المجيد قائلا: «لقد أصبتك في صميم أحشائك وأظن أنك لن تتحمل طويلا، ولكنك منحتني مجدا عظيما.»
فرد عليه ديوميديس القوي، غير هباب ولا وجل، قائلا: «لقد أخطأت يا هذا ولم تصب، وأعتقد أن كليكما لن يكف عن القتال حتى يسقط أحدكما أو الآخر، ويعب من دمه «أريس»
9
ذو الترس الصلب المصنوع من الجلد.»
قال هذا ثم قذف، فوجهت أثينا الرمح صوب أنف خصمه بجانب العين، فمرق من بين أسنانه البيضاء. وهكذا اجتث البرونز العنيد لسانه من أصله، ونفذ طرف الرمح بجانب قاعدة الذقن. فسقط ابن لوكاون خارج العربة وصلصلت من فوقه حلته البراقة المتألقة، فانتحت الجياد السريعة الأقدام، جانبا، وانتهت بذلك حياته وصعدت روحه.
وإذ ذاك قفز أينياس من العربة إلى الأرض بالترس والرمح الطويل، وقد اعتراه الخوف من أن يأخذ منه الآخيون القتيل. فوقف فوقه مباعدا ما بين ساقيه كأسد واثق من قوته، وجعل رمحه وترسه المتزن من كل جانب أمام وجهه، تواقا إلى قتل كل من تسول له نفسه أن يمسك بالجثة، وكان يصرخ صرخات مفزعة. غير أن ابن تيديوس أمسك حجرا في يده - وكانت مهمة شاقة - حجرا ينوء بحمله رجلان من رجال اليوم، ومع ذلك فقد شرع يلوح به وحده بخفة، ثم ضرب به أينياس عند الحقو حيث يتصل الفخذ بمفصل الحقو، فحطم الحجر المسنن عظم الحوض، ومزق الجلد، وعندئذ سقط المحارب جاثيا على ركبتيه، وظل هكذا، يرتكز بيديه القويتين على الأرض، ثم خيم الليل المظلم فوق عينيه!
Halaman tidak diketahui