الألفاظ المعربة من اليونانية
وقد نبهت على الكلمات اليونانية الأصل كالأسطول والمينا، والليمان، والنوتي، وما يشتبه في كونه يونانيا كالعفريت والعنبر وما يشابه اليونانية كالخريدة.
هذا جل ما توخيته؛ إحكاما لتعريب الإلياذة وحاشا أن أزعم الفلاح بكل ما توخيت أو أدعي الصلاح بكل ما تحريت، ولكنه لا يريبني أن أدعي إخلاص النية، وصدق الاجتهاد، فقد أتيت ما أتيت وأنا واثق من نفسي أنها لم تدخر جهدا في هذا السبيل.
النظم في التعريب
لا بد للشارع في تعريب منظومة كالإلياذة أو نظم ملحمة على مثالها من أن يقف طويلا، ويتردد برهة قبل أن يعين أوزان منظومته وقوافيها، وليس لنا في أوضاع السلف أصول نرجع إليها في مثل هذه الحال، وهيهات أن يتسنى وضع مثل هذه الأصول فيتقيد كل بحر من بحور الشعر بباب من أبوابه أو تتعين كل قافية من القوافي لمعنى من المعاني، فقد نظم العرب كل معنى على كل بحر وكل قافية وأجادوا، والقريحة الجيدة نقادة خبيرة إذا طرقت بابا انفتح لها ملء رغبتها، فتقع على البحر والقافية وهي لا تعلم من أين تأتى لها أن تقع عليهما، وإنما هو الشعور الشعري يدفعها إلى حيث يجب أن تندفع.
فالشاعر المجيد إذا تصور أمرا، فإنما يتصور له ذلك الأمر على كماله فتهيئ له السليقة جمال الشكل كما هيأت له جمال المعنى، فيجتمع له أحكام التناسب بين اللفظ والمعنى، والوزن والقافية، فكل بيت بنى عليه قصيدته، فهو الأساس الذي يصح أن يستند إليه ويبني عليه.
ولا يخرج عن هذه القاعدة إلا الشعر المنظوم لأغراض معلومة، ودعت الحاجة إلى تقييده بقيود لا مناص له منها كالأراجيز المنظومة في العلوم، وبعض الموشحات والأغاني المربوطة بأنغام معينة، فالشاعر مقيد فيها بنمط لا يتيسر له العدول عنه إلى غيره.
وفي ما سوى ذلك فالشاعر مطلق اليدين يتصرف بالشعر كيف شاء، وله أن يرتضي ما تيسر له من الأوزان والقوافي، وهي في الغالب تبرز له من نفسها بشكلها الأنيق وقوامها الرشيق.
على أن قريحة الشاعر، وإن كان مجيدا ليست كيد النساج تنطلق في العمل أيان حركها العامل، فقد يضطرب الجنان، وينحبس اللسان، والذهن وقاد، وقد يكون القلم سيالا، فيجف فيه المداد، فالإمساك عن النظم في مثل هذا الاعتقال خير من إجهاد النفس فلا يلبث العقال أن ينحل من نفسه، وإذا طال الخمول، فليشحذ الشاعر قريحته بتلاوة جيد الشعر، فهو كالجلاء للسيف الصدئ.
ولكنه قد يحصل خلاف ما تقدم، فتتراكم المعاني وصورها، وتتدفق التخيلات تدفقا يكاد يذهب بها شتاتا، فيتهيأ للشاعر رسم مطلعه ببيتين أو أكثر على أبحر مختلفة، فيحار في الاختيار، ويميل إلى الاسترشاد.
Halaman tidak diketahui