وإذا كنا نرى أن دراسة الأوپرا فرض على الأديب الفنان في هذا العصر، فالأولى بها أن تكون واجبا مقدسا على الناقد المسرحي.
ومن الجدير بأهل الأدب في هذا العصر أن يعنوا بحيازة الأهم من مؤلفات الأوپرا ومباحثها النقدية، فقد أصبحت الأوپرا معدودة أرقى مظهر للأدب الحديث، وصار لها من التعريف ما لم يكن مقدرا منذ قرنين، فليس اسم الأوپرا الآن دليلا على اشتقاقه الأصلي حيث يعني تأليفا موسيقيا (اختصارا من التعبير اللاتيني
Opera in musica )، وإنما يعني أجمل معنى ومبنى لاقتران الفنون الثلاثة (الشعر والغناء والموسيقى) في كنف التمثيل، فأصبحت بذلك فرعا هاما من فروع الأدب العصري الراقي، وأصبح من لا يعرف شيئا عنها لا يستحق أن يسمى بالأديب المثقف. وقد يأتي الزمن الذي تمثل فيه الأوپرا ما هو أكثر من هذه الفنون في انسجام لطيف مقبول، كما قد يأتي العصر الذي يطالب فيه الأديب المؤلف النابغة بأن يكون فنانا كاملا، فلا يتنحى عن نصيبه في تمثيل الأوپرا التي ألفها ما لم يعقه عائق طبيعي أو اجتماعي، وبناء على هذا فليس من المبالغة في الرأي والتقدير أن ألح في ضرورة توجيه أهل النبوغ من مغنياتنا ومغنينا إلى التمثيل، ولا أرى خوفا على مستقبل الأوپرا مهما تبدلت الأذواق بين مختلف الأجيال؛ وما ذلك إلا لأن أساس الأوپرا الثقافة الراقية، وكلما ارتقت الثقافة (Culture)
كان حظ الأوپرا زيادة العناية بها وزيادة تهذيبها، وهذا ضمان حياتها ورقيها وبقائها في عزة وإجلال.
وإنه ليشق على الأديب العصري الغيور أن يتصفح أي كتاب جامع من المؤلفات الحديثة الممتازة عن الأدب العربي وتاريخه فلا يجد أي ذكر للتأليف المسرحي أو القصة عامة ولا أية إشارة للأوپرا على الأخص، كأنما نظم الباعونية وابن معتوق أولى بالإشادة من جهد نجيب الحداد وطانيوس عبده للمسرح في القرن الماضي وأوائل الحاضر، ومن مجهود الحداد ومطران والسباعي في ترجمة آثار شكسبير كيفما كانت عيوب الترجمة ... وهكذا لا يفهم الطلبة المنزلة الأدبية الراقية للتأليف المسرحي، وقد يحسبون الأوپرا نوعا من اللهو المجرد، بينما نظراؤهم في الغرب يعرفون قيمتها الدراسية والأدبية الفنية العالية، وحسبهم أن يعلموا في إعجاب أن الأوپرا (إرناني
Ernani ) والأوپرا (ريجوليتو
Rigoletto ) من أبدع آثار فيكتور هوجو، وأن (فاوست
Faust ) من طرائف (جبتي
Goethe ) وكذلك (تراڨياتا
Traviata ) من دوماس، و(كارمن
Halaman tidak diketahui