168

في ذلك مقتضى العقل والنقل أما النقل فلأنه مأمور بأن يصلي في ثوب طاهر على موضع طاهر وقد امتثل فيخرج عن العهدة وأما العقل فلأنه أي تعلق للصلاة بذلك المكان الذي نحل فيه النجاسة وأي فرق في العقل بين أن يتحرك بحركته أولا وكذا إذا صلى وعلى رأسه طرف عمامة طاهر والطرف الآخر نجس وهو موضوع على الأرض فإن صلاته إذا صحيحة وقال أبو حنيفة أن تتحرك بحركته بطلت وقال الشافعي يبطل بكل حال وكذا إذ أشد كلبا يحل وطرف الحبل معه صحت صلاته وكذا إذا أشد الحبل في سفينة فيها نجاسة وقالت الشافعية في الكلب إن كان واقفا على الحبل صحت صلاته وإن كان حاملا يطرقه بطلت صلاته ومنهم من فرق بين أن يكون الكلب صغيرا أو كبيرا فقال إن كان كبيرا صحت صلاته وإن كان صغيرا بطلت وكل هذه آراء لا دليل عليها من عقل ولا نقل انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه يجب أن يكون بدن المصلي ومحموله وما يلاقيها ظاهرا فلو تناول نجسا أو أصاب ثوبه أو بدنه أو مصلاه نجس وعرف موضعه وجب الغسل وإن لم يعرف واحتمل وجوده في كل جزء أو انحصر في موضعين مثلا كأحد كمين أو يدين أو إصبعين لم يجز العمل بالاجتهاد ولو أرسل العمامة أو غيرها فإصابته نجاسة أو أرضا نجسة أو قبض طرف حبل أو ثوب أو شدة في يده أو رجله أو وسطه والطرف الآخر نجس أو متصل بالنجاسة أو على كلب أو مشدود فيه صغير أو كبير حي أو ميت بطلت الصلاة وإن لم يتحرك الطرف المعقد في الكل لأن المصلي في الصور المذكورة صادق عليه أنه مشتمل على النجاسة هذا هو المذهب والدليل ومذهب أبي حنيفة أنه يجوز للمصلي أن يصلي على طرف بساط طرف آخر منه نجس تحرك أحدهما بتحرك الآخر أولا هكذا ذكر في الوقاية وقال شارحه وإنما قال هذا احترازا عن قول من قال إنما يجوز الصلاة على الطرف الآخر إذا لم يتحرك أحد الطرفين بتحريك الآخر هذا مذهب أبي حنيفة فعلم أن هذا الرجل لم ينقل المذهبين على ما هما عليه ثم ما ذكر من مذهبه فهو باطل لأن البساط والعمامة إذا كان طرفاهما نجسا ملزم أن يكونا نجسين لأن كل واحد منهما شئ واحد ويصدق عليهما أنهما نجسان مثلا إذا صار جزء من العمامة نجسا هل يجوز أن يطلق عليها أنها نجسة أولا ولا شك في جواز الإطلاق فيكون المصلي على البساط الذي كان طرفه نجسا مصليا على البساط النجس وكذا العمامة فمذهبه باطل عقلا ونقلا انتهى وأقول فيه نظر أما أولا فلأن قوله لأن المصلي في الصور المذكورة صادق عليه أنه مشتمل على النجاسة مردود بأن دعوى صدق الاشتمال بل الحمل في الصور المذكورة مكابرة على العرف واللغة سيما إذا كان بين الطرف المحمول على المصلي والطرف الآخر من العمامة أو البساط خمسون ذراعا أو أكثر ودعوى وجود النص على الإرادة المذكورة دعوى كاذبة بما قاله المصنف ويرشد إليه مطالعة الكتب المبسوطة كالينابيع وشرحه للأنصاري والروضة للنوي ونحوها ودعوى الاجماع عليها مع وقوع الخلاف فيما بينهم أيضا كما ترى أكذب وأعجب فتأمل وأما ثانيا فلأن تطويله في نقل مذهب الشافعي وأبي حنيفة مما لا طايل تحته وما زعمه من أنه يعلم من ذلك أن المصنف لم ينقل المذهبين على ما هما عليه باطل وشأن المصنف في التحقيق وتتبعه للمذاهب أجل من أن ينقل شيئا منها لا على ما هو عليه وإنما يحكم بذلك اعوجاج طبع الناصب فإن المصنف قدس سره إنما نقل مذهب أبي حنيفة في العمامة ومذهبه فيها كما ذكره المصنف من أنه إن تحرك طرفها بحركة المصلي لم يجز وقد صرح بذلك الفاضل الأسفرايني في حاشية شرح الوقاية وغيره في غيرها وما نقله الناصب عن شرح الوقاية إنما هو في البساط كما لا يخفى على أنه يجوز أن يكون المذكور في أصل الوقاية هو المفتي به بينهم وما أشار إليه الشارح من القول المحترز عنه هو قول أبي حنيفة وقد ترك لعجزهم عن نصرته ولو سلم فيكفي كون هذا مذهب بعض الحنفية فإن التشنيع على أحدهم في قوة التشنيع على الباقين وأما ما نقله المصنف قدس سره من مذهب الشافعي فيظهر صحة نسبة إليه وكونه على ما هو عليه بالنظر إلى كتاب الينابيع وشرحه فالقضية منعكسة والإيرادات متنكسة وأما ثالثا فلأن ما ذكره في إبطال مذهب المصنف من أن البساط والعمامة إذا كان طرفاهما نجسا يلزم أن يكون نجسين لأن كل واحد منهما شئ واحد يصدق عليهما أنهما نجسان اه مدخول بأنه لو تم ما ذكره لزم بطلان صلاة المصلي على الأرض الذي يكون بعض أطرافها نجسا لأنها أيضا شئ واحد بعضها متصل ببعض وبعضها نجس والحل أن الصادق في الأصل والنقض هو أن البساط على الاطلاق والأرض على الاطلاق نجسة لا أن مكان المصلي منهما نجس والذي يعتبر في صحة الصلاة هو مقدار مكان المصلي منهما لا ما اتصل به من الأقاليم السبعة وتتمة البساط الذي يكون أوسع من رخص أبي حنيفة وبهذا ظهر أن ما أتى به من التمثيل كأصل الدليل لا يشفي العليل ولا يروي الغليل والله الهادي إلى سواء السبيل قال المصنف رفع الله درجته الفصل الثاني في الصلاة وفيه مسايل الأولى ذهبت الإمامية إلى أن الاغماء إذا استوعب الوقت سقطت الصلاة أداء وقضاء وقال أحمد بن حنبل يجب القضاء مطلقا وقال أبو حنيفة إن أغمي عليه في خمس صلوات وجب قضاءها وإن أغمي في ست لم يجب وقد خالفا في ذلك المنقول والمعقول أما المنقول فهو الخبر المتواتر بين الأمة رفع القلم عن ثلثه وأما المعقول فما تقدم من أن شرط التكليف الفهم والمغمى عليه غير فاهم ولأن القضاء تابع للأداء فإذا سقط الأداء كان القضاء ساقطا انتهى وقال الناصب خفضه الله أقول مذهب الشافعي أنه لا يجب الصلاة على المجنون ولا على من زال عقله بالاغماء أو المرض ولا القضاء إذا أفاق ولو زال عقله بسبب محرم كالمسكر وجب القضاء إذا علم أنه مسكرا ومزيل والدليل عليه السنة المشهورة وهي ما روي في الصحاح أنه رفع القلم عن ثلث وذكر فيها المجنون حتى أفاق هذا مذهب الشافعي ودليله ومذهب أبي حنيفة أنه إذا جن أو أغمي عليه يوما وليلة قضى ما فات وإن زاد ساعة فلا هذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف وأما عند محمد فالمعتبر الأوقات أي إن استوعب وقت ست صلوات يسقط والمراد بالساعة الزمان لا ما تعارفه المجنون ودليل أبي حنيفة أنه في اليوم والليلة حكمه حكم المريض فيحكم بوجوب القضاء وإذا زاد تحقق أن حكمه حكم المجنون فلا قضاء عليه للسنة المذكورة ودليل محمد أن الساعة غير مقدورة فالواجب تقديره ولا شئ أضبط في التقدير من وقت الصلاة فيقدر الساعة بوقت

Halaman 360