"وهو من المواطن الجليلة التي يَحتاج إليها الفقهاء، ولم أر أحدًا حرَّرهُ هذا التحرير إلَّا الشيخ عز الدين بن عبد السلام ﵀ وقدَّسَ روحَه، فلقد كان شديدَ التحرير لمواضع كثيرة في الشريعة معقولها ومنقولِها، وكان يُفتَحُ عليه بأشياء لا توجد لغيره، ﵀ رحمة واسعة".
وقال في ٤: ٢٥١ (ولقد حضرتُ يومًا عند الشيخ عز الدين بن عبد السلام، وكان من أعيان العلماء، وأولي الجِدّ في الدين، والقيام بمصالح المسلمين خاصَّةَ وعامَّة، والثبات على الكتاب والسنة، غير مكترث بالملوك فضلًا عن غيرهم، لا تأخذه في الله لومة لائم". انتهى.
فهو الشخصيَّةُ الفَذَّةُ القُدوةُ التي ملأتْ من القرافي السمعَ والبصرَ والفؤادَ جميعًا، ولذا تراه يتأسَّى به قلبًا ورُوحًا وفكرًا وعلمًا وتأليفًا ومنهجًا. وما أكثر التشابُهَ بين هذين الإِمامين؟ - رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى -.
ولقد جَدَّ القرافي في تحصيل العلوم ومعرفتها حتى أتقن جملةَ من العلوم إتقانًا بلَّغه الِإمامة فيها، وآتاه الله براعةَ فائقة وبيانًا عجيبًا يأخذ بالباب الطلبة والمحصِّلين في توضيح المسائل وتحقيق الدلائل، وكشفِ المعضِلات وحل المشكلات، وخَصْمِ المخالفين، وقطع المكابرين والمبطلين، وقُدرةَ عجيبة في سرعة التأليف، فقد حرَّرَ أحَدَ عشر علمًا في ثمانية أشهر.
ومما يلاحظ عليه - على إمامته في جملة من العلوم - خِفَّةُ ذات يده من علم الحديث، وقد أفصح بذلك في "الفروق" ٤: ٢٠٨ فقال في حديث: سألتُ عنه جماعةَ من المحدثين ... فقالوا لي: لم يصح". انتهى.
ووقفتُ له على طائفة من الأحاديث بعضُها موضوع، وبعضُها يقاربه، فمن الموضوع ما في "الفروق" ٤: ٢٢٤ "المَعِدَةُ بيتُ الداء والحِمْيَةُ رأسُ الدواء وصلاحُ كل جسمِ ما اعتاد". ليس بحديث، هو من كلام الحارث بن كَلَدة الثَّقَفِي طبيبِ العرب. وفي ٤: ٢٦٤ "الناسُ كلُّهم هَلْكَى إلَّا العالِمون ... " هو موضوع كما في كتب الموضوعات.
1 / 23