فالظاهر أن التسمية بذلك حدثت بعد خروج الأزارقة والصفرية، كما يعرف ذلك بالوقوف على سبب الافتراق، والاسم الشامل لهم قبل الافتراق: المحكمة، سموا بذلك لقولهم: «لا حكم إلا لله». وصار هذا القول شعارا لهم فعرفوا به، حتى كان الواحد منهم يحكم بالمغرب فيتولاه من بالمشرق لعلمهم أنه لا يقول هذه المقالة إلا أهل طريقتهم المرضية، ثم لما كثر بذل نفوسهم في رضى ربهم، وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سموا: «خوارج» وهي جمع «خارجة»، وهي الطائفة التي تخرج في سبيل الله، أخذا من قوله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (¬1) ؛ فهذا أصل تسميتهم بالخوارج، وهي تسمية محمودة وسبب مشكور، ولهذا كان يفتخر به الإمام إبراهيم بن قيس رحمه الله تعالى في أشعاره (¬2) ، ولما فارقنا الأزارقة والصفرية أخذوا عنا اسم الخوارج فتركناه لهم، وعرفوا به، فانقلب المدح ذما، واختصصنا باسم: «أهل الاستقامة» وهو الشهير في عبارات الإمام أبي سعيد - رضي الله عنه - .
الأمر الثاني
فيمن سمى أهل الدعوة بالإباضية
أقول: إنه يؤخذ من صريح عبارة سيدي نور الدين السالمي - رضي الله عنه - : «إن هذه التسمية أول من سمانا بها هم مخالفونا في المذهب، كما دل عليه ظاهر هذه الأبيات عنه رضي الله تعالى عنه، في رسالته: «كشف الحقيقة لمن جهل الطريقة» قال:
إن المخالفين قد ... سمونا ... بذاك غير أننا رضينا
وأصله أن فتى ... إباض ... كان محاميا لنا وماض
مدافعا أعداءنا ... بالحجة ... وحاميا إخواننا بالشوكة
قد كان في المنعة من ... عشيرته ... ولا يطاق بأسه لسطوته
فأظهر الحق على رغم ... العدى ... والكل من أعدائه قد شهدا
¬__________
(¬1) - ... سورة التوبة: 46.
(¬2) - ... هو الإمام إبراهيم بن قيس الحضرمي (ق5ه/11م): عالم وإمام ومجتهد، من المتقدمين والمحققين، له كتاب الحجج والدلائل، وقد جمعت أشعاره في ديوان السيف البتار.
Halaman 59