Idah Fi Sharh Misbah
كتاب الإيضاح في شرح المصباح
Genre-genre
والدليل على ذلك المذهب الصحيح من جهة العقل مختلف فيه، فذهب أبو علي إلى أنه: يجب ذلك عقلا سواء لحق أحدنا ضرر أم لا، إذ لو جوزنا عقلا ظهور المنكرات وانتشارها من غير نكير لجرى ذلك مجرى الإباحة والرضى بها وهو قبيح عقلا، وذهب أبو هاشم إلى أنه: لا يجب عقلا إلا في موضع واحد وهو حيث يلحق الواحد منا ضرر بذلك المنكر كأن يرى يتيما يضرب أو ضعيفا يظلم فيلحق الرائي الغم والمضض بذلك فيجب عليه إزالة ذلك المنكر دفعا للضرر عن نفسه، وهذا القول هو الذي رجحه المهدي عليه السلام قال: لأنه لو وجب عقلا لم يكن وجوبه إلا لوجه كما هو حكم الواجبات العقلية، ولا وجه لوجوبه من جهة العقل إلا كونه أمرا بمعروف أو نهيا عن منكر إذ لا وجه يصلح للعلة غير ذلك، ولو كان وجوبه علينا وألجأنا للمأمورين المنهيين لهذه العلة لأطرد في حق الباري تعالى وكان يلجي المكلفين إلى فعل المعروف وترك المنكر لأن ما وجب وقوعه على وجه اطرد شاهدا وغائبا، واتفق العلماء الذين قالوا بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على أن السمع دليل على ذلك وهو قوله تعالى{وليكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}(آل عمران:104) فهذا أمر عام لكل مكلف وكل وقت والأمر يقتضي الوجوب لقوله تعالى{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}(النور:63) إلا أنه فرض كفاية على الكافة لأنه أمر لطائفة غير معينة، وهذه الآية لا تدل على وجوب القتال فلابد من أن تنظم إليها الآية الأخرى وهي قوله تعالى{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله}(الحجرات:09) فهذه الآية دلت على عموم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالقول ثم بالسيف وهو المراد بالمقاتلة، ومما يدل على وجوبهما من السنة قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانا جائرا لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لهم).
قال في الخلاصة: ومما يدل على وجوبهما قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(وأمروا بالمعروف تخصبوا وانهوا عن المنكر تنصروا). قال الدواري: قوله صلى الله عليه وآله وسلم:وأمروا بالمعروف تخصبوا لا دلالة فيه على الوجوب لأن طلب النفع لا يجب فكذلك ما يؤدي إليه، وقوله: وانهوا عن المنكر تنصروا يدل على الوجوب لأن الانتصار إما جهادا وإما دفع ضرر وكله واجب وما أدى إليه فهو واجب. ومما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم:(والذي نفسي بيده ليخرجن أقوام من أمتي من قبورهم على صورة القردة والخنازير بما داهنوا أهل المعاصي وكفوا عن نهيهم وهم يستطيعون) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(ما من رجل بين ظهراني قوم يعمل بين ظهرانيهم المعاصي ولا يأخذون على يده إلا أوشك أن يعمهم الله منه بعقاب) وروي عن موسى عليه السلام أنه سأل الله تعالى عن أحب خلقه إليه قال: أسرعهم إلى رضائي كسرعة النسر إلى وكره والذي يغضب عند محارمي كغضب النمر لنفسه فإنه متى غضب لنفسه لم يبالي بالناس قلوا أم كثروا. وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير مؤمن بي ولا بالقرآن) وقال صلى الله عليه وآله وسلم:(لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل) والمراد بالانتقال هو الهجرة، وقالت المعتزلة: هو من ذلك المكان إلى مكان لا يرى فيه، وقولهم باطل لأن المراد بالتحريم لأجل العلم مع القرب بحيث يمكن أن يرى المعصية وإلا لقال حتى تغير أو تغمض.
فثبت بذلك الدليل القطعي أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان على كل مكلف كفاية وبطل ما قاله المخالف.
Halaman 259