ويحتج به ويعتمد عليه ويردد ذكره في كتبه، قال: الدليل على أن المصادر بعد الأفعال، وأنها مأخوذة منها أن المصادر تكون توكيدًا للأفعال كقولك ضرب زيد ضربا، وخرج خروجًا، وقعد قعودًا وما أشبه ذلك، فلا خلاف في أن المصادر ها هنا توكيد للأفعال. والتوكيد تابع للمؤكد ثانٍ بعده، والمؤكد سابق له، فدل ذلك على أن المصدر تابع للفعل، مأخوذ منه، وأن الفعل هو الأصل الذي أخذ منه.
القول في إفساد هذا الحجاج والرد عليه. قلت أنا للمحتج من الكوفيين بهذا الاحتجاج: ليس الأمر كما ذهب إليه، وذلك أن المصدر إنما سمي هنا توكيدًا للفعل من قولنا ضرب زيد ضربا؛ لأنه لا فائدة فيه أكثر مما في الفعل؛ وكذلك قام زيد قيامًا وما أشبه ذلك، فليس فيه فائدة أكثر مما في قام، وإنما قام النحويون تقدير أن يكون أراد أن يقول قام قام، وضرب ضرب، فيكون للفعل تشديدًا وتوكيدًا فاستقبحوا ذلك، فبدلوا أحد اللفظين مصدرًا ليكون أحسن. وليس هو بتوكيد يتبع المؤكد على الحقيقة كتواكيد الأسماء التي تتبع المؤكد نحو قولك نفسه وعينه وأجمع واكتع. والدليل على صحة ما قلناه إجماع الكوفيين والبصريين على إجازتهم قيامًا قمت، وضربًا ضربت زيدا، فيقدمون المصدر على الفعل، ولو كان توكيدا له على الحقيقة، تابعا كتواكيد الأسماء، لما جاز تقديمه عليه كما لا يجيزون نفسه ضربت زيدا. وهذا بين واضح. ومع ذلك فليس في كلام العرب توكيد مشتق من لفظ المؤكد، مأخوذ منه، فيكون المصدر ملحقا به في أن يكون مشتقًا من الفعل توكيدا له. وهذا واضح.
مسألة جرت بيني وبين أبي بكر بن الأنباري في المصدر. قلت: له مرة:
1 / 61