Iktisam
الاعتصام للشاطبى موافق للمطبوع
Editor
سليم بن عيد الهلالي
Penerbit
دار ابن عفان
Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤١٢هـ - ١٩٩٢م
Lokasi Penerbit
السعودية
Wilayah-wilayah
•Sepanyol
وَحَكَى الْمَسْعُودِيُّ أَنَّهُ كَانَ فِي أَعْلَى صَعِيدِ مِصْرَ رَجُلٌ مِنَ الْقِبْطِ مِمَّنْ يُظْهِرُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ، وَكَانَ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ، فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَحْمَدَ بْنَ طُولُونَ، فَاسْتَحْضَرَهُ، وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُ أَمَرَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ لِيَسْأَلَهُ عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ، فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: دَلِيلِي عَلَى صِحَّتِهَا وُجُودُ إِيَّاهَا مُتَنَاقِضَةً مُتَنَافِيَةً، تَدْفَعُهَا الْعُقُولُ، وَتَنْفِرُ مِنْهَا النُّفُوسُ، لِتَبَايُنِهَا وَتَضَادِّهَا، لَا نَظَرَ يُقَوِّيهَا، وَلَا جَدَلَ يُصَحِّحُهَا، وَلَا بُرْهَانَ يُعَضِّدُهَا مِنَ الْعَقْلِ وَالْحِسِّ عِنْدَ أَهْلِ التَّأَمُّلِ لَهَا وَالْفَحْصِ عَنْهَا، وَرَأَيْتُ مَعَ ذَلِكَ أُمَمًا كَثِيرَةً وَمُلُوكًا عَظِيمَةً ذَوِي مَعْرِفَةٍ وَحُسْنِ سِيَاسَةٍ وَعُقُولٍ رَاجِحَةٍ قَدِ انْقَادُوا إِلَيْهَا وَتَدَيَّنُوا بِهَا، مَعَ مَا ذَكَرْتُ مِنْ تَنَاقُضِهَا فِي الْعَقْلِ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهَا وَلَا تَدَيَّنُوا بِهَا، إِلَّا بِدَلَائِلَ شَاهَدُوهَا وَآيَاتٍ وَمُعْجِزَاتٍ عَرَفُوهَا، أَوْجَبَ انْقِيَادَهُمْ إِلَيْهَا وَالتَّدَيُّنَ بِهَا.
فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ: وَمَا التَّضَادُّ الَّذِي فِيهَا؟
فَقَالَ: وَهَلْ يُدْرَكُ ذَلِكَ أَوْ تُعْلَمُ غَايَتُهُ؟ مِنْهَا قَوْلُهُمْ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَاحِدٌ وَأَنَّ الْوَاحِدَ ثَلَاثَةٌ. وَوَصْفُهُمْ لِلْأَقَانِيمِ وَالْجَوْهَرِ، وَهُوَ الثَّالُوثِيُّ، وَهَلِ الْأَقَانِيمُ فِي أَنْفُسِهَا قَادِرَةٌ عَالِمَةٌ أَمْ لَا؟ وَفِي اتِّحَادِ رَبِّهِمُ الْقَدِيمِ بِالْإِنْسَانِ الْمُحْدَثِ، وَمَا جَرَى فِي وِلَادَتِهِ وَصَلْبِهِ وَقَتْلِهِ، وَهَلْ فِي التَّشْنِيعِ أَكْبَرُ وَأَفْحَشُ مِنْ إِلَهٍ صُلِبَ، وَبُصِقَ فِي وَجْهِهِ، وَوُضِعَ عَلَى رَأْسِهِ إِكْلِيلُ الشَّوْكِ، وَضُرِبَ رَأْسُهُ
1 / 208