فقال: كن حر الضمير.
فقلت: اسمع إذن ... لقد بذلت نصحك لي فيما مضى، فاصغ إلي الآن كما أصغيت حينئذ إليك.
قف أمام أي رجل كان وقل له: إن في الحياة أناسا يمضون أيامهم في احتساء الخمر وركوب الخيل والضحك واللعب، واغتنام فرص الملذات بأنواعها، فلا شيء يحول دون مضيهم على السبيل الذي اختاروه؛ لأن شريعتهم تقوم على استحسانهم، يملكون من يشاءون من النساء لأنهم أغنياء، ولا هم لهم، فكل أيامهم أعياد.
فإذا لم يكن هذا الرجل الذي تخاطبه من أهل الورع والتقى؛ فإنه ليقول لك: إن هذه الحياة نهاية ما يتصوره الإنسان من سعادة على الأرض.
خذ بهذا الرجل واقذف به إلى الحياة التي وصفت، أجلسه إلى مائدة قرب امرأة، وضع كأسا في يده، وانفحه كل صباح ببدرة من الذهب وقل له: هذه هي حياتك: بينما تكون نائما إلى جنب عشيقتك تكون خيولك تحفش على مرابطها، وبينما تكون ممتطيا جوادك يقرع المنتزهات بحوافره، يكون شرابك يغلي مختمرا في دنانه، وبينما تحيي ليلك شاربا ثملا، يكون أرباب المصارف يعملون على إنماء ثروتك، فما عليك إلا إبداء رغباتك لتنقلب أمانيك حقائق. أنت أسعد الناس، ولكن حذار أن تفرط في الشرب في ليلة من لياليك، فتجد جسدك بعيدا عن تذوق ملذاتك؛ لأن كل مصيبة تجد عزاءها ما عدا هذه المصيبة الدهماء. لقد يكبو جوادك في الغاب وأنت تلهو بالطراد مع رفاقك فتتدهور إلى مستنقع، وإذ تستغيث لا يصل صوتك إلى آذان هؤلاء الصحاب وقد أصمهم السكر وجلبة الحبور. حذار أن يمروا بك دون أن يعثروا عليك فيتوارون عنك وأنت تزحف بأعضائك المحطمة تحت جنح الليل.
لا بد أن تخسر بالمقامرة في ليلة من لياليك؛ فللحظ ساعاته السوداء، فإذا ما عدت إلى منزلك لتجلس أمام موقدك، فحاذر أن تضرب جبينك بيدك، وأن تدع الأسى يبلل أجفانك، وأن تدير لحاظك مفتشا عن صديق. احذر بخاصة ألا يجمح بك خيالك إلى كوخ ينام فيه زوجان على فراش الطمأنينة، وقد اشتبكت أنامل أحدهما بأنامل الآخر حتى في الرقاد؛ لأنك لن ترى أمامك على فراشك الفخم الوثير من تسر إليه نجواك سوى المخلوقة الشاحبة التي تتعشق دنانيرك، وإذا ما لجأت إليك لتشرح صدرك؛ فلن يخفى عليها أمرك وسبب حزنك. إنها لتشعر بفداحة خسارتك؛ فتذهب دموعك مثيرة في قلبها الشجون؛ لأن في دموعك هذه خطرا يتهدد ثوبها بألا يتجدد، والخواتم التي تلمع في أناملها بأن تسقط منها.
حذار، يا هذا، أن تفوه أمامها باسم من ربح مالك هذا المساء، فلقد تلتقيه هي غدا فترسل إليه لحظات الإغواء من خلال ما يحوطك من خرائب وأطلال.
ذلك هو الضعف البشري، أيها الرجل، فهل لك من قوة تحتمل مثل هذا الضعف؟
إذا كنت رجلا فاحذر السآمة، إنها لداء عياء، والميت خير من حي سئم الحياة.
احذر الحب إذا كان لك قلب؛ لأن الحب عار الفاسقين، وخير لهم أن يصابوا بأي داء من أن يصبحوا مهزلة في أعين أمثالهم المقدرين لكل خليلة ثمنا، وليس للمرأة التي تبيع نفسها أن تحتقر أحدا إلا الرجل الذي يحبها ...
Halaman tidak diketahui