أما أنت فأمامك على هذا السرير مخلوقة قد تكون الطبيعة أعدتها لاستكمالك، فهيأت روحها في دوائر الفكر الخفية أختا لروحك، وجسدها في أعمق أسرار المادة أخا لجسدك، وقد مضت عليك ستة أشهر لم ينطق فمك بكلمة، ولم يخفق قلبك بنبضة دون أن تجاوبك كلمة من ثغرها، ونبضة من فؤادها، غير أن هذه المرأة التي أنزلها الله عليك كإنزاله الندى على الأزهار لم تستقر حتى انزلقت عن تويج قلبك الهاوي. لقد جاءتك هذه المخلوقة فاتحة لك ذراعيها لتهبك حياتها أمام وجه السماء، فإذا هي تتبدد كأنها طيف لن يتبقى بعد زواله حتى خيال خياله!
لقد التصقت شفاهكما، وطوقت ذراعاك عنقها، وضمتكما ملائكة الحب الخالد، فأصبحتما كائنا واحدا برابطة الدم وجامع الشهوة، ولكنكما حتى في ساعات هذا العناق الموحد كنتما منفصلين يبتعد أحدكما عن الآخر ابتعاد منفيين بينهما ما بين الشمس ومغربها.
انظر إليها يا هذا، ولكن احترس من إبداء أية حركة، لم يبق لك إلا هذه الليلة لتراها، فاخنق إعوالك كيلا تنبهها من رقادها.
وساورتني أفكار مظلمة بدأت تحتل دماغي على مهل، فشعرت بقوة عنيفة تدفعني إلى سبر الأعماق في نفسي.
أفيكون قضاء العناية في أن أرتكب الشر في حين أن ضميري يشعرني حتى في غمرات جنوني أنني صالح ومحب للخير؟
أأرتكب الشر كأن ورائي قوة لا تني تدفعني إلى الأغوار، في حين أشعر بقوة أخرى تحذرني من الانزلاق إلى مهاويها؟
لماذا أرتكب الشر وفي صوت يهتف مستنكرا مآتي، حتى ولو تلطخت يداي بدماء الجريمة أسمع صرخة من أعماق فؤادي تعلن لي أنني لست مجرما، وأن الفاعل ليس ذاتي، بل هو شخص آخر كامن في ولم ينبثق مني ، هو الروح الشرير المنفذ لما قضي علي.
لقد مرت بي ستة أشهر وأنا أذهب على سبيل الأذية، فما اجتزت يوما دون أن أعمل على الإضرار، كافرا بنفسي، ونصب عيني نتائج فعلتي.
فهل الرجل الذي أحب بريجيت ليحقرها ويقسو عليها، فهجرها تارة، ليعود إليها تارة أخرى مالئا روحها ارتياعا دائرا حولها بالشكوك، ليطرحها أخيرا على فراش الضنى، كان رجلا آخر سواي؟
وضربت بكفي على موضع قلبي ناظرا إليها ممددة أمامي، مكذبا عيني فيما أرى، ومددت يدي متلمسا جسدها لأتحقق أنني لست في حلم، وأن هذا الجسد ليس خيالا.
Halaman tidak diketahui