Ictibar
الإعتبار وسلوة العارفين
Genre-genre
فقال لجعفر: أمض فتفرح يومك فإني مع الحرم اليوم، فمضى مع بختيشوع الطبيب، وجلس يطرب وأبو زكار الأعمى يغنيه، ولطائف تحف الرشيد وخلعه تأتيه، ساعة بعد أخرى متقاطرة إلى أن أمسى، فدعا الرشيد بمسرور الخادم. فقال: اذهب إلى جعفر، وآتني برأسه ولا تراجعني، فأقتحم عليه مسرور بلا إذن، وأبو زكار يغنيه:
فلا تبعد فكل فتى سيأتي .... عليه الموت يطرق أو يغادي
وكل ذخيرة لا بد يوما .... وإن بقيت تصير إلى نفاد
فلو فوديت من حدث المنايا .... فديتك بالطريف وبالتلاد
فقال جعفر لمسرور: يا أبا هاشم، سررتني بمجيئك، وأسأتني بدخولك علي بلا إذن.
فقال له: جئت لأمر عظيم، أجب أمير المؤمنين.
قال: فوقع على رجليه يقبلهما.
فقال: دعني حتى أدخل فأوصي.
فقال: أما الدخول فلا سبيل إليه، ولكن أوص بما بدا لك فأعتق غلمانه، وأوصى ماله إلى من حضره، ثم نقله على دابة من دواب الجند، وأدخله قبة من قباب الحرم، فناشده جعفر أن يراجع فيه.وقال: قد حمل أمير المؤمنين النبيذ ونصف مالي لك.
فقال له: مسرور، إن أمير المؤمنين ما طعم اليوم ولا شرب فراجعه. فراجعه، فلما سمع الرشيد حسه، قال له: ما ورائك؟ فعرفه ما قاله له جعفر. فقال: والله لئن راجعتني لأقدمنك قبله. فرجع فقتله وجاء برأسه، حتى وضع بين يديه على ترس، وجاء بيديه في نطع، فوجه الرشيد في وقته ذلك إلى يحيى بن خالد والفضل فحبسهما، ثم أمر بجثة جعفر فصلبت عند جسر الأنبار، فأنشأ أبو العتاهية في ذلك:
من يأمن الدهر أو غوائله .... وجعفر تالف ويحياه
كذاك من يسخط المليك وير .... ضي العبد بالسخط يخزه الله
شتت بعد الجمع شملهم .... فأصبحوا في البلاد قد تاهوا
Halaman 174