فاتحة الكتاب
Halaman 1
{بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العلمين * الرحمن الرحيم * ملك يوم الدين * إياك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين }.
إعراب البسملة
{الرحمن}: فعلان من الرحمة، وأصل بنائه من اللازم من المبالغة وشذ من المتعدي، وأل فيه للغلبة، كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير الله، كما لم يستعمل اسمه في غيره.
{الرحيم}: فعيل محول من فاعل للمبالغة، وهو أحد الأمثلة الخمسة، وهي: فعال، وفعول، ومفعال، وفعيل، وفعل، وزاد بعضهم فعيلا فيها: نحو سكير، ولها باب معقود في النحو، قيل: وجاء رحيم بمعنى مرحوم، قال العملس بن عقيل:
فأما إذا عضت بك الأرض عضة
فإنك معطوف عليك رحيم
الباء في بسم الله للاستعانة، نحو كتبت بالقلم، وموضعها نصب، أي بدأت، وهو قول الكوفيين، وكذا كل فاعل بدىء في فعله بالتسمية كان مضمرا لأبدأ، وقدره الزمخشري فعلا غير بدأت وجعله متأخرا، قال: تقديره بسم الله أقرأ أو أتلو، إذ الذي يجيء بعد التسمية مقروء، والتقديم على العامل عنده يوجب الاختصاص، وليس كما زعم. قال سيبويه، وقد تكلم على ضربت زيدا ما نصه: وإذا قدمت الإسم فهو عربي جيد كما كان ذلك، يعني تأخيره عربيا جيدا وذلك قولك: زيدا ضربت. والاهتمام والعناية هنا في التقديم والتأخير، سواء مثله في: ضرب زيد عمرا، أو ضرب زيدا عمر، وانتهى، وقيل: موضع اسم رفع التقدير ابتدائي بأبت، أو مستقر باسم الله، وهو قول البصريين، وأي التقديرين أرجح يرجح الأول، لأن الأصل في العمل للفعل، أو الثاني لبقاء أحد جزأي الإسناد.
Halaman 2
والإسم هو اللفظ الدال بالو وحذفت الألف من بسم هنا في الخط تخفيفا لكثرة الاستعمال، فلو كتبت باسم القاهر أو باسم القادر. فقال الكسائي والأخفش: تحذف الألف. وقال الفراء: لا تحذف إلا مع {بسم الله الرحمن الرحيم}، لأن الاستعمال إنما كثر فيه، فأما في غيره من أسماء الله تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
والرحمن صفة لله عند الجماعة. وذهب الأعلم وغيره إلى أنه بدل، وزعم أن الرحمن علم، وإن كان مشتقا من الرحمة، لكنه ليس بمنزلة الرحيم ولا الراحم، بل هو مثل الديوان، وإن كان مشتقا من دبر صيغ للعلمية، فجاء على بناء لا يكون في النعوت، قال: ويدل على علميته ووروده غير تابع لاسم قبله، قال تعالى: {الرحمن على العرش استوى}(طه: 5) الرحمن علم القرآن}(الرحمن: 12)، وإذا ثبتت العلمية امتنع النعت، فتعين البدل. قال أبو زيد السهيلي: البدل فيه عندي ممتنع، وكذلك عطف البيان، لأن الإسم الأول لا يفتقر إلى تبيين، لأنه أعرف الأعلام كلها وأبينها، ألا تراهم قالوا: وما الرحمن، ولم يقولوا: وما الله، فهو وصف يراد به الثناء، وإن كان يجري مجرى الإعلام.
{الرحمن الرحيم} قيل: دلالتهما واحدة نحو ندمان ونديم، وقيل معناهما مختلف، فالرحمن أكثر مبالغة.
وفي البسملة من ضروب البلاغة نوعان:
أحدهما: الحذف، وهو ما يتعلق به الباء في بسم، وقد مر ذكره.
النوع الثاني: التكرار في الوصف، ويكون إما لتعظيم الموصوف، أو للتأكيد، ليتقرر في النفس.
إعراب الفاتحة
{الحمد} الثناء على الجميل من نعمة أو غيرها باللسان وحده، ونقيضه الذم، وليس مقلوب مدح، خلافا لابن الأنباري، إذ هما في التصريفات متساويان.
Halaman 3
{لله} اللام: للملك وشبهه، وللتمليك وشبهه، وللاستحقاق، وللنسب، وللتعليل، وللتبليغ، وللتعجب، وللتبيين، وللصيرورة، وللظرفية بمعنى في أو عند أو بعد، وللإنته والأصل في الحمد لا يجمع، لأنه مصدر. وحكى ابن الأعرابي: جمعه على أحمد كأنه راعى فيه جامعه اختلاف الأنواع، قال:
وأبلج محمود الثناء خصصته
بأفضل أقوالي وأفضل أحمدي
وقراءة الرفع أمكن في المعنى، ولهذا أجمع عليها السبعة، لأنها تدل على ثبوت الحمد واستقراره لله تعالى، فيكون قد أخبر بأن الحمد مستقر لله تعالى، أي حمده وحمد غيره. ومعنى اللام في لله الاستحقاق، ومن نصب، فلا بد من عامل تقديره أحمد الله أو حمدت الله، فيتخصص الحمد بتخصيص فاعله، وأشعر بالتجدد والحدوث، ويكون في حالة النصب من المصادر التي حذفت أفعالها، وأقيمت مقامها، وذلك في الأخبار، نحو: شكرا لا كفرا. وقدر بعضهم العامل للنصب فعلا غير مشتق من الحمد، أي أقول الحمد لله، أو الزموا الحمد لله، كما حذفوه من نحو: اللهم ضبعا وذئبا، والأول هو الصحيح لدلالة اللفظ عليه. وفي قراءة النصب، اللام للتبيين، كما قال أعني لله، ولا تكون مقوية للتعدية، فيكون لله في موضع نصب بالمصدر لامتناع عمله فيه. قالوا: سقيا لزيد، ولم يقولوا: سقيا زيدا، فيعملونه فيه، فدل على أنه ليس من معمول المصدر، بل صار على عامل آخر.
قرأ زيد بن علي وطائفة: {رب العالمين} بالنصب على المدح، وهي فصيحة لولا خفض الصفات بعدها.
Halaman 4
وضعفت إذ ذاك. على أن الأهوازي حكى في قراءة زيد بن علي أنه قرأ: {رب العالمين، الرحمن الرحيم} بنصب الثلاثة، فلا ضعف إذ ذاك، وإنما تضعف قراءة نصب رب، وخفص الصفات بعدها لأنهم نصوا أنه لا إتباع بعد القطع في النعوت، لكن تخريجها على أن يكون الرحمن بدلا، ولا سيما على مذهب الأعلم، إذ لا يجيز في الرحمن أن يكون صفة، وحسن ذلك على مذهب غيره، كونه وصفا خاصا، وكون البدل على نية تكرار العامل، فكأنه مستأنف من جملة أخرى، فحسن النصب. وقول من زعم أنه نصب رب بف {الرحمن الرحيم} تقدم الكلام عليهما في البسملة، وهما مع قوله {رب العالمين} صفات مدح، وخفض الرحمن الرحيم الجمهور، ونصبهما أبو العالية وابن السميفع وعيسى بن عمرو، ورفعهما أبو رزين العقيلي والربيع بن خيثم وأبو عمران الجوني، فالخفض على النعت، وقيل في الخفض: إنه بدل أو عطف بيان، وتقدم شيء من هذا. والنصب والرفع للقطع.
{ملك} قرأ مالك على وزن فاعل بالخفض، عاصم، والكسائي، وخلف في اختياره، ويعقوب، وهي قراءة العشرة إلا طلحة، والزبير، وقراءة كثير من الصحابة. وقال الأخفش: يقال ملك من الملك، بضم الميم، ومالك من الملك، بكسر الميم وفتحها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى. وروي عن بعض البغداديين: لي في هذا الوادي ملك وملك بمعنى واحد.
{ يوم}اليوم هو المدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
{الدين} الجزاء: دناهم كما دانوا ، قاله قتادة، والحساب: {ذلك الدين القيم}(التوبة: 36) (يوسف: 40) (الروم: 30)، قاله ابن عباس، والقضاء: {ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله}(النور: 2).
Halaman 5
ومن قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانها، أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة، وإن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة، ويدل عليه قراءة من قرأ: ملك يوم الدين فعلا ماضيا، وإن كان بمعنى الاستقبال، وهو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة، وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة ولا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. وحل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل، إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، جاز فيه وجهان: أحدهما ما قدمناه من أن إياك}، إيا تلحقه ياء المتكلم وكاف المخاطب وهاء الغائب وفروعها، فيكون ضمير نصب منفصلا لا اسما ظاهرا أضيف خلافا لزاعمه، وهل الضمير هو مع لواحقه أو هو وحده؟ واللواحق حروف، أو هو واللواحق أسماء أضيف هو إليها، أو اللواحق وحدها، وإيا زائدة لتتصل بها الضمائر، أقوال ذكرت في النحو.
وإضافة إيا لظاهر نادر نحو: وإيا الشواب، أو ضرورة نحو: دعني وإيا خالد، واستعماله تحذيرا معروف فيحتمل ضميرا مرفوعا يجوز أن يتبع بالرفع نحو: إياك أنت نفسك.
{نعبد}، العبادة: التذلل، قاله الجمهور، أو التجريد، قاله ابن السكيت، وتعديه بالتشديد مغاير لتعديه بالتخفيف، نحو: عبدت الرجل ذللته، وعبدت الله ذللت له.
Halaman 6
{نستعين}، الاستعانة، طلب العون، والطلب أحد معاني استفعل، وهي اثنا عشر معنى، وهي: الطلب، والاتحاد، والتحول، وإلقاء الشيء بمعنى ما صيغ منه وعده كذلك، ومطاوعة افعل وموافقته، وموافقة تفعل وافتعل والفعل المجرد، والإغناء عنه وعن فعل مثل ذلك استطعم، واستعبده، واستنسر واستعظمه واستحسنه، وإن لم يكن كذلك، واستشلى مطاوع أشلى، واستبل موافق مطاوع أبل، واستكبر موافق تكبر، وأستعصم موافق اعتصم، واستغنى موافق غنى، واستنكف واستحيا مغنيان عن المجرد، واسترجع، واستعان حلق عانته، مغنيان عن فعل، فاستعان طلب العون، كاستغفر، واستعظم. وقال صاحب اللوامح: وقد جاء فيه وياك أبدل الهمزة واوا، فلا أدري أذلك عن الفراء أم عن العرب، وهذا على العكس مما فروا إليه في نحو أشاح فيمن همز لأنهم فروا من الواو المكسورة إلى الهمزة، واستثقالا للكسرة على الواو. وفي وياك فروا من الهمزة إلى الواو، وعلى لغة من يستثقل الهمزة جملة لما فيها من شبه التهوع، وبكون استفعل أيضا لموافقة تفاعل وفعل. حكى أبو الحسن بن سيده في المحكم: تماسكت ب أأنت الهلالي الذي كنت مرة
سمعنا به والأرحبي المغلب
وإلى قول أبي كثير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جلدة خالد
وبياض وجهك للتراب الأعفر
{اهدنا}، الهداية: الإرشاد والدلالة والتقدم ومنه الهوادي أو التبيين، {وأما ثمود فهديناهم}(فصلت: 17)، أو الإلهام أعطى كل شيء خلقه ثم هدى}(طه: 50)، قال المفسرون: معناه ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها، أو الدعاء، ولكل قوم هاد أي داع والأصل في هدي أن يصل إلى ثاني معموله باللام يهدي للتي هي أقوم}(الإسراء: 9) أو إلى لتهدي إلى صراط مستقيم}(الشورى: 52) ثم يتسع فيه فيعدى إليه بنفسه، ومنه اهدنا الصراط}، ونا ضمير المتكلم ومعه غيره أو معظم نفسه. ويكون في موضع رفع ونصب وجر.
{الصراط} الطريق، وأصله بالسين من السرط، وهو اللقم، ومنه سمي الطريق لقما، وبالسين على الأصل قرأ قبل ورويس، وإبدال سينه صادا هي الفصحى، وهي لغة قريش، وبها قرأ الجمهور، وبها كتبت في الإمام.
{المستقيم} استقام: استفعل بمعنى الفعل المجرد من الزوائد، وهذا أحد معاني استفعل، وهو أن يكون بمعنى الفعل المجرد، وهو قام، والقيام هو الانتصاب والاستواء من غير اعوجاج.
{صراط الذين} اسم موصول، والأفصح كونه بالياء في أحواله الثلاثة، وبعض العرب يجعله بالواو في حالة الرفع، واستعماله بحذف النون جائز، وخص بعضهم ذلك بالضرورة، إلا إن كان لغير تخصيص فيجوز في غيرها، وسمع حذف أل منه فقالوا: لذين، وفيما تعرف به خلاف ذكر في النحو، ويخص العقلاء بخلاف الذي، فإنه ينطلق على ذي العلم وغيره.
Halaman 7
{أنعمت}، النعمة: لين العيش وخفضه، ولذلك قيل للجنوب النعامي للين هبوبها، وسميت النعامة للين سهمها: نعم إذا كان في نعمة، وأنعمت عينه أي سررتها، وأنعم عليه بالغ في التفضيل عليه، أي والهمزة في أنعم بجعل {عليهم}، على: حرف جر عند الأكثرين، إلا إذا جرت بمن، أو كانت في نحو هون عليك. ومذهب سيبويه أنها إذا جرت اسم ظرف، ولذلك لم يعدها في حروف الجر، ووافقه جماعة من متأخري أصحابنا ومعناها الاستعلاء حقيقة أو مجازا، وزيد أن تكون بمعنى عن، وبمعنى الباء، وبمعنى في، وللمصاحبة، وللتعليل، وبمعنى من، وزائدة، مثل ذلك: {كل من عليها فان}(الرحمن: 26) فضلنا بعضهم على بعض}(البقرة: 253)، } {وآتى المال على حبه}(البقرة: 177)، {ولتكبروا الله على ما هداكم}(البقرة: 185)، حافظون إلا على أزواجهم}(المؤمنون: 56).
أبى الله إلا أن سرحة مالك
على كل أفنان العضاه تروق
Halaman 8
أي تروق كل أفنان العضاه. هم ضمير جمع غائب مذكر عاقل، ويكون في موضع رفع ونصب وجر. وحكى اللغويون في (عليهم) عشر لغات: ضم الهاء، وإسكان الميم، وهي قراة حمزة. وكسرها وإسكان الميم، وهي قراءة الجمهور. وكسر الهاء والميم وياء بعدها، وهي قراءة الحسن. وزاد ابن مجاهد أنها قراءة عمر بن فائد. وكذلك بغير ياء، وهي قراءة عمرو بن فائد. وكسر الهاء وضم الميم وواو بعدها، وهي قراءة ابن كثير، وقالون بخلاف عنه. وكسر الهاء وضم الميم بغير واو وضم الهاء والميم وواو بعدها، وهي قراءة الأعرج والخفاف عن أبي عمرو. وكذلك بدون واو وضم الهاء وكسر الميم بياء بعدها. كذلك بغير ياء. وقرىء بهما، وتوضيح هذه القراءآت بالخط والشكل: عليهم، عليهم، عليهموا، عليهم، عليهمي، عليهم، عليهم، عليهمي، عليهم، عليهموا. وملخصها ضم الهاء مع سكون الميم، أو ضمها بإشباع، أو دونه، أو كسرها بإشباع، أو دونه وكسر الهاء مع سكون الميم، أو كسرها بإشباع، أو دونه، أو ضمها بإشباع، أو دونه، وتوجيه هذه القراءات ذكر في النحو. {اهدنا } صورته صورة الأمر، ومعناه الطلب والرغبة، وقد ذكر الأصوليون لنحو هذه الصيغ ومن غريب القول أن الصراط الثاني ليس الأول، بل هو غيره، وكأنه قرىء فيه حرف العطف، وفي تعيين ذلك اختلاف، وموضع عليهم نصب، وكذا كل حرف جر تعلق بفعل، أو ما جرى مجراه، غير مبني للمفعول. وبناء أنعمت للفاعل استعطاف لقبول التوسل بالدعاء في الهداية وتحصيلها، أي طلبنا منك الهداية، إذ سبق إنعامك، فمن إنعامك إجابة سؤالنا ورغبتنا، كمثل أن تسأل من شخص قضاء حاجة ونذكره بأن من عادته الإحسان بقضاء الحوائج، فيكون ذلك آكد في اقتضائها وأدعى إلى قضائها. وانقلاب الفاعل مع المضمر هي اللغة الشهيرة، ويجوز إقرارها معه على لغة، ومضمون هذه الجملة طلب استمرار الهداية إلى طريق من أنعم الله عليهم، لأن من صدر منه حمد الله وأخبر بأنه يعبده ويستعينه فقد حصلت له الهداية، لكن يسأل دوامها واستمرارها.
{غير} مفرد مذكر دائما وإذا أريد به المؤنث جاز تذكير الفعل حملا على اللفظ، وتأنيثه حملا على المعنى، ومدلوله المخالفة بوجه ما، وأصله الوصف، ويستثنى به ويلزم الإضافة لفظا أو معنى، وإدخال أل عليه خطأ ولا يتعرف، وإن أضيف إلى معرفة. ومذهب ابن السراج أنه إذا كان المغاير واحدا تعرف بإضافته إليه، وتقدم عن سيبويه أن كل ما إضافته غير محضة، قد يقصد بها التعريف، فتصير محضة، فتتعرف إذ ذاك غير بما تضاف إليه إذا كان معرفة، وتقرير هذا كله في كتب النحو. وزعم البيانيون أن غير أو مثلا في باب الإسناد إليهما مما يكاد يلزم تقديمه، قالوا نحو قولك غيرك يخشى ظلمه، ومثلك يكون للمكرمات ونحو ذلك، مما لا يقصد فيه بمثل إلى إنسان سوى الذي أضيف إليه، ولكنهم يعنون أن كل من كان مثله في الصفة كان من مقتضى القياس، وموجب العرف أن يفعل ما ذكر، وقوله:
غيري بأكثر هذا الناس ينخدع
Halaman 9
غرضه أنه ليس ممن ينخدع ويغتر، وهذا المعنى لا يستقيم فيهما ما كان يرضى رسول الله فعلهم
والطيبان أبو بكر ولا عمر
ومن ذهب إلى الاستثناء جعل لا صلة، أي زائدة مثلها في قوله تعالى: {ما منعك أن لا تسجد}(الأعراف: 12) }وقول الراجز:
فما ألوم البيض أن لا تسخرا
وقول الأحوص:
ويلجئني في اللهو أن لا أحبه
واللهو داع دائب غير غافل
قال الطبري: أي أن تسخر وأن أحبه، وقال غيره: معناه إرادة أن لا أحبه، فلا فيه متمكنة، يعني في كونها نافية لا زائدة، واستدلوا أيضا على زيادتها ببيت أنشده المفسرون، وهو:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به
نعم من فتى لا يمنع الجود قائله
Halaman 10
وزعموا أن لا زائدة، والبخل مفعول بأبي، أي أبى جوده البخل، ولا دليل في ذلك، بل الأظهر أن لا مفعول بأبى، وأن لفظة لا لا تتعلق بها، وصار إسنادا لفظيا، ولذلك قال: واستعجلت به نعم، فجعل نعم فاعلة بقوله استعجلت، وهو إسناد لفظي، والبخل بدل من لا أو مفعول من أجله، وقيل: انتصب غير بإضمار أعني وعزي إلى الخليل، وهذا تقدير سهل، وعليهم في موضع رفع بالمغضوب على أنه مفعول لم يسم فاعله، وفي إقامة الجار والمجرور مقام الفاعل، إذا حذف خلاف ذكر في النحو. ومن دقائق مسائله مسألة يغني فيها عن خبر المبتدأ ذكرت في النحو، ولا في قوله: {ولا الضالين} لتأكيد معنى النفي، لأن غير فيه النفي، كأنه قيل لا المغضوب عليهم ولا الضالين، وعين دخولها العطف على قوله المغضوب عليهم لمناسبة غير، ولئلا يتوهم بتركها عطف الضالين على الذين. وقرأ عمر وأبي وغير الضالين، وروي عنهما في الراء في الحرفين النصب والخفض، ويدل على أن المغضوب عليهم هم غير الضالين، والتأكيد فيها أبعد، والتأكيد في لا أقرب، ولتقارب معنى غير من معنى لا، أتى الزمخشري بمسألة ليبين بها تقاربهما فقال: وتقول أنا زيدا غير ضارب، مع امتناع قولك: أنا زيدا مثل ض إذا ما العوالي بالعبيط احمأرت
وقول الآخر:
وللأرض إما سودها فتجلت
بياضا وإما بيضها فادهأمت
وعلى ما قال أبو الفتح إنها لغة، ينبغي أن ينقاس ذلك، وجعل الإنعام في صلة الذين ، والغضب في صلة أل، لأن صلة الذين تكون فعلا فيتعين زمانه، وصلة أل تكون اسما فينبهم زمانه، والمقصود طلب الهداية إلى صراط من ثبت إنعام الله عليه وتحقق ذلك، وكذلك أتى بالفعل ماضيا وأتى بالإسم في صلة أن ليشمل سائر الأزمان، وبناه للمفعول، لأن من طلب منه الهداية ونسب الإنعام إليه لا يناسب نسبة الغضب إليه، لأنه مقام تلطف وترفق وتذلل لطلب الإحسان، فلا يناسب مواجهته بوصف الانتقام، وليكون المغضوب توطئة لختم السورة بالضالين لعطف موصول على موصول مثله لتوافق آخر الآي.
Halaman 11
سورة البقرة
{الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما رزقنهم ينفقون * والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك وبالأخرة هم يوقنون * أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون }.
{الم} أسماء مدلولها حروف المعجم، ولذلك نطق بها نطق حروف المعجم، وهي موقوفة الآخر، لا يقال إنها معربة لأنها لم يدخل عليها عامل فتعرب ولا يقال إنها مبنية لعدم سبب البناء، لكن أسماء حروف المعجم قابلة لتركيب العوامل عليها فتعرب، تقول: هذه ألف حسنة ونظير سرد هذه الأسماء موقوفة، أسماء العدد، إذا عدوا يقولون: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة. وقد اختلف الناس في المراد بها، وسنذكر اختلافهم إن شاء الله تعالى. {ذلك}، ذا: إسم إشارة ثنائي الوضع لفظا، ثلاثي الأصل، لا أحادي الوضع، وألفه ليست زائدة، خلافا للكوفيين والسهيلي، بل ألفه منقبلة عن ياء، ولامه خلافا لبعض البصريين في زعمه أنها منقلبة من واو من باب طويت وهو مبني. ويقال فيه: ذا وذائه وهو يدل على القرب، فإذا دخلت الكاف فقلت: ذاك دل على التوسط، فإذا أدخلت اللام فقلت: ذلك دل على البعد، وبعض النحويين رتبة المشار إليه عنده قرب وبعد، فمتى كان مجردا من اللام والكاف كان للقرب، ومتى كانتا فيه أو إحداهما كان للبعد، والكاف حرف خطاب تبين أحوال المخاطب من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث كما تبينها إذا كان ضميرا، وقالوا: ألك في معنى ذلك؟ ولاسم الإشارة أحكام ذكرت في النحو.
{لا} نافية، والنفي أحد أقسامها، وقد تقدمت. {ريب}، الريب: الشك بتهمة راب حقق التهمة قال:
ليس في الحق يا أمية ريب
Halaman 12
إنما الريب ما يقول الكذوب {فيه}: في للوعاء حقيقة أو مجاز، أو زيد للمصاحبة، وللتعليل، وللمقايسة، وللموافقة على، والباء مثل ذلك زيد في المسجد {ولكم في القصاص حياة}(البقرة: 179) ادخلوا في أمم}(الأعراف: 38) لمسكم فيما أفضتم}(النور: 14)، في الحياة الدنيا وفي الآخرة}(اليونس: 64) في جذوع النخل}(طه: 71) يذرؤكم فيه}(الشورى: 11)، أي يكثركم به. الهاء المتصلة بفي من فيه ضمير غائب مذكر مفرد، وقد يوصل بياء، وهي قراءة ابن كثير، وحكم هذه الهاء بالنسبة إلى الحركة والإسكان والاختلاس والإشباع في كتاب النحو. هدى}، الهدى: مصدر هدي، وتقدم معنى الهداية، والهدي مذكر وبنو أسد يؤنثونه، يقولون: هذه هدي حسنة، قاله الفراء في كتاب المذكر والمؤنث. وقال ابن عطية: الهدي لفظ مؤنث، وقال اللحياني: هو مذكر. انتهى كلامه.
وهو على وزن فعلى أعني (هدى)، كالسرى والبكى. وزعم بعض أكابر نحاتنا أنه لم يجىء من فعلى مصدر سوى هذه الثلاثة، وليس بصحيح، فقد ذكر لي شيخنا اللغوي الإمام في ذلك رضي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن يوسف الشاطبي أن العرب قالت: لقيته لقى، وأنشدنا لبعض العرب:
وقد زعموا حلما لقاك ولم أزد
Halaman 13
بحمد الذي أعطاك حلما ولا عقلا وقد ذكر ذلك غيره من اللغويين، وفعل يكون جمعا معدولا وغير معدول، ومفردا وعلما معدولا وغير معدول، واسم جنس لشخص ولمعنى وصفة معدولة وغير معدولة، مثل ذلك: جمع وغرف وعمر وأدد ونغر وهدى وفسق وحطم. {للمتقين} المتقي اسم فاعل من اتقى، وهو افتعل من وقى بمعنى حفظ وحرس، وافتعل هنا: للاتخاذ أي اتخذ وقاية، وهو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها افتعل، وهو: الاتخاذ، والتسبب، وفعل الفاعل بنفسه، والتخير، والخطفة، ومطاوعة أفعل، وفعل، وموافقة تفاعل، وتفعل، واستفعل، والمجرد، والإغناء عنه، مثل ذلك: اطبخ، واعتمل واضطرب، وانتخب، واستلب، وانتصف مطاوع أنصف، واغتم مطاوع غممته، واجتور، وابتسم، واعتصم، واقتدر ، واستلم الحجر. وإبدال الواو في اتقى تاء وحذفها مع همزة الوصل قبلها فيبقى تقى مذكور في علم التصريف.
فأما هذه الحروف المقطعة أوائل السور، فجمهور المفسرين على أنها حروف مركبة ومفردة، وغيرهم يذهب إلى أنها أسماء عبر بها عن حروف المعجم التي ينطق بالألف واللام منها في نحو: قال، والميم في نحو: ملك، وبعضهم يقول: إنها أسماء السور، قاله زيد بن أسلم.
Halaman 14
وقد أطال الزمخشري وغيره الكلام على هذه الحروف بما ليس يحصل منه كبير فائدة في علم التفسير، ولا يقوم على كثير من دعاويه برهان. وقد تكلم المعربون على هذه الحروف فقالوا: لم تعرب حروف التهجي لأنها أسماء ما يلفظ، فهي كالأصوات فلا تعرب إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها، ويحتمل محلها الرفع على المبتدأ أو على إضمار المبتدأ، والنصب بإضمار فعل، والجر على إضمار حرف القسم، هذا إذا جعلناها اسما للسور، وأما إذا لم تكن إسما للسور فلا محل لها، لأنها إذ ذاك كحروف المعجم أو ردت مفردة من غير عامل فاقتضت أن تكون مستكنة كأسماء الأعداد، أو ردتها لمجرد العدد بغير عطف، وقد تكلم النحويون على هذه الحروف على أنها أسماء السور، وتكلموا على ما يمكن إعرابه منها وما لا يمكن، وعلى ما إذا أعرب فمنه ما يمنع الصرف، ومنه ما لا يمنع الصرف، وتفصيل ذلك في علم النحو.
Halaman 15
وقد ركبوا وجوها من الإعراب في قوله: {ذلك الكتاب لا ريب فيه}. والذي نختاره منها أن قوله: {ذلك الكتاب} جملة مستقلة من مبتدأ وخبر، لأنه متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار ولا افتقار، كان أولى أن يسلك به الإضمار والافتقار، وهكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن، لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه، وأبعدها من التكلف، وأسوغها في لسان العرب. ولسنا كمن جعل كلام الله تعالى كشعر امرىء القيس، وشعر الأعشى، يحمله جميع ما يحتمله اللفظ من وجوه الاحتمالات. فكما أن كلام الله من أفصح كلام، فكذلك ينبغي إعرابه أن يحمل على أفصح الوجوه ، هذا على أنا إنما نذكر كثيرا مما ذكروه لينظر فيه، فربما يظهر لبعض المتأملين ترجيح شيء منه، فقالوا: يجوز أن يكون ذلك خبر المبتدأ محذوف تقديره هو ذلك الكتاب، والكتاب صفة أو بدل أو عطف بيان، ويحتمل أن يكون مبتدأ وما بعده خبرا. وفي موضع خبر {الم} {ولا ريب} جملة تحتمل الاستئناف، فلا يكون لها موضع من الإعراب، وأن تكون في موضع خبر لذلك، والكتاب صفة أو بدل أو عطف أو خبر بعد خبر، إذا كان الكتاب خبرا، وقلت بتعدد الأخبار التي ليست في معنى خبر واحد، وهذا أولى بالبعد لتباين أحد الخبرين، لأن الأول مفرد والثاني جملة، وأن يكون في موضع نصب أي مبرأ من الريب، وبناء ريب مع لا يدل على أنها العاملة عمل إن، فهو في موضع نصب ولا وهو في موضع رفع بالابتداء، فالمرفوع بعده على طريق الإسناد خبر لذلك المبتدأ فلم تعمل حالة البناء إلا النصب في الاسم فقط، هذا مذهب سيبويه. وأما الأخفش فذلك المرفوع خبر للا، فعملت عنده النصب والرفع، وتقرير هذا في كتب النحو. وإذا عملت عمل إن أفادت الاستغراق فنفت هنا كل ريب، والفتح هو قراءة الجمهور.
Halaman 16
وقرأ أبو الشعثاء: {لا ريب فيه} بالرفع، وكذا قراءة زيد بن علي حيث وقع، والمراد أيضا هنا الاستغراق، لا من اللفظ بل من دلالة المعنى، لأنه لا يريد نفي ريب واحد عنه، وصار نظير من قرأ: {فلا رفث ولا فسوق}(البقرة: 197) بالبناء والرفع، لكن البناء يدل بلفظه على قضية العموم، والرفع لا يدل لأنه يحتمل العموم، ويحتمل نفي الوحدة، لكن سياق الكلام يبين أن المراد العموم، ورفعه على أن يكون ريب مبتدأ وفيه الخبر، وهذا ضعيف لعدم تكرار لا، أو يكون عملها إعمال ليس، فيكون فيه في موضع نصب على قول الجمهور من أن لا إذا عملت عمل ليس رفعت الإسم ونصبت الخبر، أو على مذهب من ينسب العمل لها في رفع الإسم خاصة، وأما الخبر فمرفوع لأنها وما عملت فيه في موضع رفع بالابتداء كحالها إذا نصبت وبني الإسم معها، وذلك في مذهب سيبويه، وسيأتي الكلام مشبعا في ذلك عند قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج (البقرة: 197)، وحمل لا في قراءة لا ريب على أنها تعمل عمل ليس ضعيف لقلة إعمال لا عمل ليس، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة. وقرأ الزهري، وابن محيصن، ومسلم بن جندب، وعبيد بن عمير، فيه: بضم الهاء، وكذلك إليه وعليه وبه ونصله ونوله وما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. وقرأ ابن أبي إسحاق: فهو بضم الهاء ووصلها بواو، وجوزوا في قوله: أن يكون خبرا للا على مذهب الأخفش، وخبرا لها مع اسمها على مذهب سيبويه، أن يكون صفة والخبر محذوف، وأن يكون من صلة ريب بمعنى أنه يضمر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، إلا أنه يكون متعلقا بنفس لا ريب، إذ يلزم إذ ذاك إعرابه، لأنه يصير اسم لا مطولا بمعموله نحو: لا ضاربا زيدا عندنا، والذي نختاره أن الخبر محذوف لأن الخبر في باب لا العاملة عمل إن إذا علم لم تلفظ به بنو تميم، وكثر حذفه عند أهل الحجاز، وهو هنا معلوم، فاحمله على أحسن الوجوه في الإعراب {ذلك الكتاب لا ريب فيه} وبعضهم جعله على حذف مضاف، أي لا سبب فيه لوضوح آياته وإحكام معانيه وصدق أخباره. وهذه التقادير لا يحتاج إليها. واختيار الزمخشري أن فيه خبر، وبذلك بني عليه سؤالا وهو أن قال: هلا قدم الظرف على الريب كما قدم على القول في قوله تعالى: {لا فيها غول}(الصافات: 47)؟ وأجاب: بأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد، وهو أن كتابا غيره فيه الريب، كما قصد في قوله: {لا فيها غول} تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل: ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب والنقيصة. وقد انتقل الزمخشري من دعوى الاختصاص بتقديم المفعول إلى دعواه بتقديم الخبر، ولا نعلم أحدا يفرق بين: ليس في الدار رجل، وليس رجل في الدار، وعلى ما ذكر من أن خمر الجنة لا يغتال، وقد وصفت بذلك العرب خمر الدنيا، قال علقمة بن عبدة:
تشفي الصداع ولا يؤذيك طالبها
Halaman 18
ولا يخالطها في الرأس تدويم وأبعد من ذهب إلى أن قوله: لا ريب صيغة خبر ومعناه النهي عن الريب. وجوزوا في قوله تعالى: {هدى للمتقين} أن يكون هدى في موضع رفع على أنه مبتدأ، وفيه في موضع الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدى، أو على فيه مضمرة إذا جعلنا فيه من تمام لا ريب، أو خبر بعد خبر فتكون قد أخبرت بالكتاب عن ذلك، وبقوله لا ريب فيه، ثم جاء هذا خبرا ثالثا، أو كان الكتاب تابعا وهدى خبر ثان على ما مر في الإعراب، أو في موضع نصب على الحال، وبولغ بجعل المصدر حالا وصاحب الحال اسم الإشارة، أو الكتاب، والعامل فيها على هذين الوجهين معنى الإشارة أو الضمير في فيه، والعامل ما في الظرف من الاستقرار وهو مشكل لأن الحال تقييد، فيكون انتقال الريب مقيدا بالحال إذ لا ريب فيه يستقر فيه في حال كونه هدى للمتقين، لكن يزيل الإشكال أنها حال لازمة. والأولى: جعل كل جملة مستقلة، فذلك الكتاب جملة، ولا ريب جملة، وفيه هدى للمتقين جملة، ولم يحتج إلى حرف عطف لأن بعضها آخذ بعنق بعض. فالأولى أخبرت بأن المشار إليه هو الكتاب الكامل، كما تقول: زيد الرجل، أي الكامل في الأوصاف. والثانية نعت لا يكون شيء ما من ريب. والثالثة أخبرت أن فيه الهدى للمتقين.
Halaman 19
ومضمون هذه الجملة على ما اخترناه من الإعراب، الإخبار عن المشار إليه الذي هو الطريق الموصل إلى الله تعالى، هو الكتاب أي الكامل في الكتب، وهو المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلمالذي قال فيه: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}(الأنعام: 38)، فإذا كان جميع الأشياء فيه، فلا كتاب أكمل منه، وأنه نفى أن يكون فيه ريب وأنه فيه الهدى. ففي الآية الأولى الإتيان بالجملة كاملة الأجزا حقيقة لا مجاز فيها، وفي الثانية مجازا لحذف لأنا اخترنا حذف الخبر بعد لا ريب، وفي الثانية تنزيل المعاني منزلة الأجسام، إذ جعل القرآن ظرفا والهدى مظروفا، فألحق المعنى بالعين، وأتى بلفظة في التي تدل على الوعاء كأنه مشتمل على الهدى ومحتو عليه احتواء البيت على زيد في قولك: زيد في البيت. الذين يؤمنون بالغيب}: الإيمان: التصديق، {وما أنت بمؤمن لنا}(يوسف: 17)، وأصله من الأمن أو الأمانة، ومعناهما الطمأنينة، منه: صدقه، وأمن به: وثق به، والهمزة في أمن للصيرورة كأعشب، أو لمطاوعة فعل كأكب، وضمن معنى الاعتراف أو الوثوق فعدى بالباء، وهو يتعدى بالباء واللام فما آمن لموسى}(يونس: 83)، والتعدية باللام في ضمنها تعد بالباء، فهذا فرق ما بين التعديتين. الغيب: مصدر غاب يغيب إذا توارى، وسمي المطمئن من الأرض غيبا لذلك أو فعيل من غاب فأصله غيب، وخفف نحو: لين في لين، والفارسي لا يرى ذلك قياسا في بنات الياء، فلا يجيز في لين التخفيف ويجيزه في ذوات الواو، نحو: سيد وميت، وغيره قاسه فيهما. وابن مالك وافق أبا علي في ذوات الياء. وخالف الفارسي في ذوات الواو، فزعم أنه محفوظ لا مقيس، وتقرير هذا في علم التصريف. ويقيمون الصلاة} والإقامة: التقويم، أقام العود قومه، أو الإدامة أقامت الغزالة سوق الضراب، أي أدامتها من قامت السوق، أو التشمر والنهوض من قام بالأمر، والهمزة في أقام للتعدية. الصلاة: فعلة، وأصله الواو لاشتقاقه من الصلى، وهو عرق متصل بالظهر يفترق من عند عجب الذنب، ويمتد منه عرقان في كل ورك عرق يقال لهما الصلوان فإذا ركع المصلي انحنى صلاه وتحرك فسمي بذلك مصليا.
{ومما رزقنهم ينفقون} من حرف جر. وزعم الكسائي أن أصلها منا مستدلا بقول بعض قضاعة:
بذلنا مارن الخطي فيهم
وكل مهند ذكر حسام منا أن ذر قرن الشمس حتى
أغاب شريدهم قتر الظلام
وتأول ابن جني، رحمه الله، على أنه مصدر على فعل من منى يمنى أي قدر. واغتر بعضهم بهذا البيت فقال: وقد يقال منا. وقد تكون لابتداء الغاية وللتبعيض، وزائدة وزيد لبيان الجنس، وللتعليل، وللبدل، وللمجاوزة والاستعلاء، ولانتهاء الغاية، وللفصل، ولموافقة الباء، ولموافقة في. مثل ذلك: سرت من البصرة إلى الكوفة، أكلت من الرغيف، ما قام من رجل، {يحلون فيها من أساور من ذهب}(الحج: 22)، في آذانهم من الصواعق}(البقرة: 19)، بالحياة الدنيا من الآخرة}(التوبة: 38)، غدوت من أهلك}(آل عمران: 121)، قربت منه، ونصرناه من القوم}(الأنبياء: 77)، يعلم المفسد من المصلح}(البقرة: 220) ينظرون من طرف خفي}(الشورى: 45) ماذا خلقوا من الأرض}(فاطر: 40). ما تكون موصولة، واستفهامية، وشرطية، وموصوفة، وصفة، وتامة. مثل ذلك: ما عندكم ينفذ مال هذا الرسول}(الفرقان: 7)، ما يفتح الله للناس من رحمة}(فاطر: 2)، مررت بما معجب لك، لأمر ما جدع قصير أنفه، ما أحسن زيدا. رزقناهم} الرزق: العطاء، وهو الشيء الذي يرزق كالطحن، والرزق المصدر، وقيل الرزق أيضا مصدر رزقته أعطيته، {ومن رزقناه منا رزقا حسنا}(النحل: 75)، وقال:
رزقت مالا ولم ترزق منافعه
إن الشقي هو المحروم ما رزقا}
{ينفقون}، الإنفاق: الإنفاذ، أنفقت الشيء وأنفذته بمعنى واحد، والهمزة للتعدية، يقال نفق الشيء نفذ، وأصل هذه المادة تدل على الخروج والذهاب، ومنه: نافق، والنافقاء، ونفق..
Halaman 21
{والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون}، الذين ذكروا في إعرابه الخفض على النعت للمتقين، أو البدل والنصب على المدح على القطع، أو بإضمار أعني على التفسير قالوا، أو على موضع المتقين، تخيلوا أن له موضعا وأنه نصب، واغتروا بالمصدر فتوهموا أنه معمول له عدي باللام، والمصدر هنا ناب عن اسم الفاعل فلا يعمل، وإن عمل اسم الفاعل وأنه بقي على مصدريته فلا يعمل، لأنه هنا لا ينحل بحرف مصدر وفعل، ولا هو بدل من اللفظ بالفعل، بل للمتقين بتعلق بمحذوف صفة لقوله هدى، أي هدى كائن للمتقين، والرفع على القطع أي هم الذين، أو على الابتداء والخبر.
Halaman 22