وَقَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ ابْنُ فَارِسٍ كَمَا مَضَى: إِنَّ السِّيرَةَ النَّبَوِيَّةَ بِخُصُوصِهَا مِنْهُ "مِمَّا يَحِقُّ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ حِفْظُهَا، وَيَجِبُ عَلَى ذِي الدِّينِ مَعْرِفَتُهَا" (^١).
وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ: "إِنَّهُ يَخْشَى لِمَنْ جَهِلَهَا إِذَا قِيلَ لَهُ: مَا تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟ أَنْ يَقُولَ: لَا أَدْرِي، سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُوُلونَ شَيْئًا فَقُلْتُهُ! أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ ذَلِكَ". وَنَحْوُهُ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُقَلِّدِ (^٢).
وَقَدْ يُتَمَسَّكُ بِقَوْلِ أَبِي مُحَمَّدِ ابْنِ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ "مَرَاتِبُ الْعُلُومِ" (^٣):
"العُلُومُ الْقَائِمَةُ اليَوْمَ سَبْعَةُ أَقْسَامٍ عِنْدَ كُلِّ أُمَّةٍ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ: عِلْمُ الشَّرِيعَةِ، وَعِلْمُ أَخْبَارِهَا -يَعْنِي الْمُتَضَمِّنَ لِفَنِّ التَّارِيخِ- وَعِلْمُ لُغَاتِهَا" وَذَكَرَ بَاقِيَهَا لِلْوُجُوبِ.
وَذَكرَ الْعِزُّ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي "قَوَاعِدِهِ" (^٤) مِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ:
"الْكَلَامُ فِي الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ؛ لِيَتَمَيَّزَ الصَّحِيحُ مِنَ السَّقِيمِ، وَقَدْ دَلَّتْ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّ حِفْظَ الشَّرِيعَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِيمَا (^٥) زَادَ عَلَى الْقَدْرِ الْمُتَعَيِّنِ، وَلَا يَتَأَتَّى حِفْظُ الشَّرِيعَةِ إِلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ" انْتَهَى.
وَإِدْرَاجُهُ لِذَلِكَ فِي الْبِدَعِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، فَقَدْ قَالَ ﷺ: "نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ" (^٦) وَ"بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ" (^٧) فِي أَشْبَاهٍ لِذَلِكَ فِي الطَّرَفَيْنِ.