ولكن ياقوت قبل أن يختتم الكلام عن هذا الموضع فتح علينا بابا آخر ؛ إذ أورد حكاية عن أبى عبد الله الحميدى طرحت أمامنا طريقا آخر سلكناه علنا نصل إلى شىء ، حيث قال : «قال أبو عبد الله الحميدى : قرأت بخط أبى الفرج المعافى بن زكرياء النهروانى القاضى ، قال : حججت سنة ، فكنت بمنى أيام التشريق إذ سمعت مناديا ينادى : يا أبا الفرج ، فقلت فى نفسى : لعله يريدنى ، ثم قلت : فى الناس خلق كثير ممن يكنى أبا الفرج ، فلعله يريد غيرى ، فلم أجبه ، فلما رأى أنه لا يجيبه أحد نادى : يا أبا الفرج المعافى ، فهممت أن أجيبه ، ثم قلت : يتفق من يكون اسمه المعافى ، وكنيته أبو الفرج ، فلم أجبه ، فرجع ونادى : يا أبا الفرج المعافى بن زكرياء النهروانى ، فقلت : لم يبق شك فى مناداته إياى ؛ إذ ذكر اسمى وكنيتى واسم أبى ، وما أنسب إليه ، فقلت له : ها أنا ذا ؛ ما تريد؟ فقال : ومن أنت؟ فقلت : أبو الفرج المعافى بن زكرياء النهروانى ، قال : فلعلك من نهروان الشرق؟ قلت : نعم ، قال : نحن نريد نهروان الغرب ، فعجبت من اتفاق الاسم والكنية واسم الأب وما أنسب إليه ، وعلمت أن بالمغرب موضعا يعرف ب : النهروان ، غير نهروان العراق».
ورغم المبالغة الواضحة فى كلام ياقوت إلا أننا افترضنا أن نهروان المغرب إن وجدت تكون باللام بدل النون ، فكان أمامنا «معجم ما استعجم» لأبى عبيد البكرى الأندلسى الذى يعد أقرب إلى المغرب من ياقوت الحموى ؛ لعله يثبت معرفة بما يسمى ب : نهروال هذه ، إلا أن أبا عبيد البكرى لم يذكر شيئا عن نهروال هذه ، ولو من بعيد ، كل ما ذكره سطورا قليلة عن نهروان العراق التى ذكرها ياقوت قائلا : «النهروان : بالعراق معلوم ؛ بفتح أوله ، وإسكان ثانيه ، وفتح الراء المهملة ، وبكسرها أيضا : نهروان ، وبضمها أيضا : نهروان ، ويقال أيضا بضم النون والراء معا : نهروان ؛ أربع لغات ، والهاء فى جميعها ساكنة.
قال الطرماح :
قل فى شط نهروان اغتماضى
ودعانى حب العيون المراض
Halaman 13