69

Ibrahim Abu Anbiya

إبراهيم أبو الأنبياء

Genre-genre

وأما بناء جرهم والعمالقة وقصي فهو ترميم، وتوسع الأزرقي، صاحب كتاب أخبار مكة، غاية التوسع في هذه الروايات التي لم تستوعبها الإسرائيليات، ولا يمكن أن تستوعبها؛ لأن تبجيل العرب للكعبة أقدم من هذه الإسرائيليات، وقد جاوز حدود جزيرة العرب إلى الهند ومصر كما ذكر برتون في رحلته إلى الحجاز، ولا يزال الصابئة اليوم، كما كانوا قبل الإسلام، يحسبونها من البيوت السبعة التي تناظر الكواكب السبعة، ويقولون: إنها بيت أشرفها دارا وهو زحل، وستبقى في الأرض ما بقي زحل في السماء.

وسيأتي الكلام بشيء من التفصيل عن سلالة إبراهيم في البلاد العربية، ولا محل هنا لنقل الروايات المختلفة التي اقتبسها المفسرون أو المؤرخون التفسيريون، سواء منها ما أخذوه من الإسرائيليات وما أخذوه من حفظة الأنساب وبناء الأسلاف، فإنها جميعا على نحو ما تقدم، ولكننا ننقل هنا ما فيه اجتهاد للمفسرين، أو ما فيه خبر يضاف إلى أخبار السيرة ويعولون على روايته.

فالمفسرون الأوائل يقولون: إن النار لم تحرق إبراهيم؛ لأن الله سلبها خاصة الاحتراق، والألوسي، صاحب روح المعاني، من المفسرين المتأخرين يقول: «وأيا ما كان فهو آية عظيمة، وقد يقع نظيرها لبعض صلحاء الأمة المحمدية كرامة لهم؛ لمتابعتهم النبي الحبيب صلى الله تعالى عليه وسلم، وما يشاهد من وقوعه لبعض المنتسبين إلى حضرة الولي الكامل الشيخ أحمد الرفاعي - قدس سره - من الفسقة الذين كادوا يكونون لكثرة فسقهم كفارا؛ فقيل: إنه باب من السحر المختلف في كفر فاعله وقتله؛ فإن لهم أسماء مجهولة المعنى يتلونها عند دخول النار والضرب بالسلاح، ولا يبعد أن تكون كفرا وإن كان معها ما لا كفر فيه ...

ولم يكن ذلك في زمن الشيخ الرفاعي - قدس سره العزيز - فقد كان أكثر الناس اتباعا للسنة، وأشدهم تجنبا عن مظان البدعة، وكان أصحابه سالكين مسلكه، متشبثين بذيل اتباعه قدس سره، ثم طرأ على بعض المنتسبين إليه ما طرأ ... قال في العبر: قد كثر الزغل في أصحاب الشيخ قدس سره، وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق، من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات. وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه، فنعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم.

والحق أن قراءة شيء ما عندهم ليست شرطا لعدم التأثر بالدخول في النار ونحوه، فكثير منهم من ينادي إذا أوقدت له النار وضربت الدفوف: يا شيخ أحمد يا رفاعي، أو يا شيخ فلان؛ لشيخ أخذ منه الطريق، ويدخل النار ولا يتأثر منها دون تلاوة شيء أصلا، والأكثر منهم إذا قرأ الأسماء على النار، ولم تضرب له الدفوف، ولم يحصل له تغير حال لم يقدر على مس جمرة.

وقد يتفق أن يقرأ أحدهم الأسماء وتضرب له الدفوف وينادي من ينادي من المشايخ فيدخل ويتأثر، والحاصل أنا لم نر لهم قاعدة مضبوطة، بيد أن الأغلب أنهم إذا ضربت لهم الدفوف، واستغاثوا بمشايخهم وعربدوا؛ يفعلون ما يفعلون ولا يتأثرون. وقد رأيت منهم من يأخذ زق الخمر، ويستغيث بمن يستغيث، ويدخل تنورا كبيرا، ويضطرم فيه النار فيقعد في النار ويشرب الخمر، ويبقى حتى تخمد النار فيخرج ولم يحترق من ثيابه أو جسده شيء.

وأقرب ما يقال في مثل ذلك أنه استدراج وابتلاء، وأما أن يقال: إن الله عز وجل أكرم حضرة الشيخ أحمد الرفاعي - قدس سره - بعدم تأثر المنتسبين إليه كيفما كانوا بالنار ونحوها من السلاح وغيره، إذا هتفوا باسمه أو اسم منتسب إليه في بعض الأحوال، فبعيد، بل كأني بك تقول بعدم جوازه. وقد يتفق ذلك لبعض المؤمنين في بعض الأحوال إعانة له، وقد يأخذ بعض الناس بيده ولا يتأثر لأجزاء يطلي بها يده من خاصيتها عدم إضرار النار للجسد إذا طلي بها، فيوهم فاعل ذلك أنه كرامة ...»

والشيخ محيي الدين بن العربي يفسر الآية على أسلوب المتصوفة الذين يرمزون بالكلمات إلى الأسرار فيقول: حرقوه أي اتركوه يحترق بنار العشق التي أنتم أوقدتموها أولا، بإلقاء الحقائق والمعارف إليه، التي هي حطب تلك النار عند رؤيته ملكوت السماوات والأرض بإرادة الله إياه كما قال:

وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض

وإشراق الأنوار الصفاتية والأسمائية عند تجليات الجمال والجلال عليه من وراء أستار أعيانكم التي هي منشأ اتقاء النار، وانصروا آلهتكم، أي معشوقاتكم ومعبوداتكم في الإمداد بتلك الأنوار، وإيقاد تلك النار، إن كنتم فاعلين.

Halaman tidak diketahui