115

Ibrahim Abu Anbiya

إبراهيم أبو الأنبياء

Genre-genre

فإن هذا المقياس شبيه بمقياس العمليات الحسابية في التمييز بين الخطأ والصواب، وما علينا إذا أردنا أن نمتحن حادثة تاريخية أو سلسلة من الحوادث التاريخية، إلا أن نسأل أنفسنا: كيف ينبغي أن تحدث؟ فإذا ارتسمت لنا على الترتيب الذي يقبله العقل ويطابق الواقع؛ فذلك هو الامتحان الصادق، وما نستخلصه منه هو الصواب كأصدق ما يمكن أن يصوره تاريخ الحوادث لمن لم يشهدها شهادة العيان.

إذا كانت دعوات النبوة متصلة بمدائن القوافل، فليس أولى من بلاد النهرين في العصر القديم أن تبدأ منها الدعوة الأولى، ثم تتلوها المدن الأخرى على حسب مكانتها ومكانها من حيث النظر إلى الطرق العالمية، ومظاهر الحضارات المختلفة.

فالدول القديمة بين النهرين لم يكن لها نظام غير النظام الذي اشتهر في علم السياسة باسم نظام «حكومات المدائن»؛ لأنه يقوم على مدن أربع أو خمس من العواصم العظمى تحيط بها البادية، التي تزرع مرعاها، أو ترعى ماشيتها في المزارع الطبيعية، وتسافر بالقوافل على حسب مراحلها، ويجوز أن تتغلب دولة واحدة على جميع هذه المدن إلى فترة قصيرة، كما يجوز أن تتفرق وأن تنفرد كل منها بحكومتها، ولكنها على الحالتين مدائن تحيط بها البادية، وتعتمد على نقل التجارة من أقصى العالم المعمور إلى أقصاه في الأزمنة القديمة.

وترتيبها على حسب مكانتها ومكانها في وادي النهرين، وفي العالم كله، يبدأ من مدينة «أور» في الجنوب، وينتهي إلى مدينة «آشور» شمالا، ثم يتجه غربا وجنوبا إلى فلسطين ومدن خليج العقبة فالحجاز، حيث تلتقي قوافل الشمال وقوافل الجنوب.

فمدينة «أور» أهم هذه المدائن؛ لأنها تتلقى التجارة من البحر ومن البر، وتنقلها من الشرق إلى الغرب، ومن الغرب إلى الشرق، كما تنقلها بين الجنوب والشمال.

ويليها في مكانها ومكانتها مدينة آشور؛ لأنها تأخذ من الجنوب وتوزع على ما حولها، وقد تصل قوافلها إلى أقصى الشمال من القارة الأوروبية كما تصل إلى آسيا الصغرى وأوروبة الشرقية.

وفي مدينة «أور» بدأت دعوة إبراهيم، وإلى مدينة «آشور» انتقلت، ولم يطل بها القرار في هذه النقلة العاجلة.

وهنا كان مبدأ الدعوة النبوية التي لم يكن لها نظير في غير هذه البقاع من أوطان الأمم العربية الأولى.

ويطرد الترتيب بزمانه كما يطرد بمكانه، فمن آشور إلى حبرون أو بيت المقدس، إلى مدن خليج العقبة، إلى مدينة الحجاز المقدسة، وعندها نهاية المطاف.

جاء في تاريخ مكة قبل أيام إسماعيل أن مضاض بن عمرو كان يعشر «أي يفرض ضريبة العشر» على من دخل مكة من شمالها، وأن السميدع كان يعشر على من دخل مكة من أسفلها.

Halaman tidak diketahui