8
والثاني هو الإمام محمد بن مالك الطائي الجياني (نسبة إلى جيان؛ بلد من بلاد الأندلس) نزيل دمشق، كان حجة العرب في علوم اللغة والنحو والصرف. وفيه يقول ابن العماد: «وأما اللغة، فكان إليه المنتهى في الإكثار من نقل غريبها والاطلاع على وحشيها، وأما النحو والتصريف فكان فيه بحرا لا يجارى وحبرا لا يبارى ...» •••
تلك إشارات عابرة إلى المراكز الأولى للعلم والفكر في مصر والشام في ذلك العصر، بل وفي كل عصر وبلد من بلاد الإسلام الأخرى، ثم ظهرت بعد ذلك مراكز أخرى للحياة العقلية والفكرية، وهي المدارس والمكتبات العامة، وهذا ما نعرض له الآن بإيجاز:
لم تعرف المدارس في البلاد الإسلامية زمن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بل لم تعرف حتى جاء القرن الخامس الهجري. ويقول المؤرخ المقريزي: «إن أول من حفظ عنه أنه بنى مدرسة في الإسلام أهل نيسابور، فبنيت بها المدرسة البيهقية.
ثم كان أشهر ما بني في القديم المدرسة النظامية ببغداد؛ لأنها أول مدرسة قرر بها للفقهاء معاليم، وتنسب إلى أبي علي الحسين الطوسي نظام الملك وزير ملك شاه أبي أرسلان السلجوقي، وتم بناؤها عام 459، ودرس بها أبو إسحاق الشيرازي، وأبو حامد الغزالي، وغيرهما من الأعلام.
ثم اقتدى بنظام الملك الناس من حينئذ، في بلاد العراق وخراسان وما وراء النهر، وبلاد الجزيرة وديار بكر.
ولما كان عهد صلاح الدين الأيوبي، أبطل مذهب الشيعة من مصر وأقام بها مذهب الشافعي ومذهب مالك، واقتدى بالملك نور الدين محمود بن زنكي، فإنه بنى بدمشق وحلب وأعمالهما عدة مدارس للشافعية والحنفية، وبنى لكل من الطائفتين مدرسة بمصر.»
وبعد هذا يقول المؤرخ نفسه أيضا: «ثم اقتدى بالسلطان صلاح الدين في بناء المدارس بالقاهرة ومصر وغيرهما من أعمال مصر، وبالبلاد الشامية والجزيرة ، أولاده وأمراؤه، ثم حذا حذوهم من ملك مصر بعدهم من ملوك الترك وأمرائهم وأتباعهم.»
9
وقد ذكر المؤرخون لهذا العصر، وبخاصة المقريزي في كتابيه العظيمين: «الخطط»، و«السلوك»، هذه المدارس، التي كان بعضها يبنى لأصحاب مذهب بعينه من المذاهب الفقهية الأربعة المعروفة، وبعضها كان يبنى لأصحاب أكثر من مذهب، وبعضها الآخر لأصحاب المذاهب الأربعة كلها.
Halaman tidak diketahui