وقيل إن معناها هو لزوم المجاورة، فإن العرب تقول للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص به «عوذ»؛ لأنه اعتصم به واستمسك، فكذلك العائذ يستمسك بالمستعاذ به ويعتصم به ويلزمه.»
على أن معنى استعاذة المؤمن حين يستعيذ بالله حقا هو شيء فوق ذلك كله؛ ولهذا يقول ابن تيمية بعد أن أورد تلك المعاني: «وبعد، فمعنى الاستعاذة القائم بقلب المؤمن وراء هذه العبارات، وإنما هي تمثيل وإشارات وتفهيم، وإلا، فما يقوم بالقلب حينئذ من الالتجاء والاعتصام، والانطراح بين يدي الرب، والافتقار إليه والتذلل بين يديه، أمر لا تحيط به العبارة.»
وفي معنى الفلق يقول: «واعلم أن الخلق كله فلق، وذلك أن «فلق» فعل بمعنى مفعول كقبض وسلب وقنص بمعنى مقبوض ومسلوب ومقنوص، والله عز وجل فالق الإصباح وفالق الحب والنوى، وفالق الأرض عن النبات ، والجبال عن العيون، والسحاب عن المطر، والأرحام عن الأجنة، والظلام عن الإصباح»؛ وإذن يكون المستعاذ به هو الله الخالق لكل شيء.
وبعد أن فرغ من بيان معنى الاستعاذة ومعنى الفلق، انتقل إلى الكلام على المستعاذ به، وهو رب الفلق في هذه السورة، والملك والرب والإله في سورة الناس، فهل اختلاف صفات الله على هذا النحو في السورتين، هو لمعان تتناسب والمستعاذ منه في كل منهما؟
وللإجابة عن هذا السؤال يقول الشيخ: «ولا بد من أن يكون ما وصف (الله) به نفسه في هاتين السورتين يناسب الاستعاذة المطلوبة ويقضي دفع الشر المستعاذ منه أعظم مناسبة وأبينها.
وقد قررنا في مواضع متعددة أن الله سبحانه يدعى بأسمائه الحسنى، فيسأل لكل مطلوب باسم يناسبه ويقتضيه ... فلا بد أن يكون الاسم المستعاذ به مقتضيا للمطلوب، وهو دفع الشر المستعاذ منه أو رفعه.»
2
ومن البدهي أنه لبيان هذه المناسبات بين ما وصف، أو سمي الله المستعاذ به وبين الشر المستعاذ منه، يجب الكلام على أنواع الشرور المستعاذ منها في هاتين السورتين، وهي في سورة الفلق: شر المخلوقات التي لها شر عموما، شر الغاسق إذا وقب، شر النفاثات في العقد، وشر الحاسد إذا حسد، وفي سورة الناس نجد المستعاذ منه شيئا واحدا، وهو شر الوسواس الخناس.
وقبل الكلام على كل من الشرور الأربعة التي ذكرت بتلك السورة تكلم على بيان الشر: ما هو، وما حقيقته، وعلى الاستعاذة من الشر الموجود والشر المعدوم، وعلى الدعاء الجامع لمصادر الشر وموارده والاستعاذة منها، ثم أخذ في بيان تلك الشرور الأربعة المستعاذ منها في سورة الفلق: (أ)
شر المخلوقات: إن «ما» في قوله تعالى:
Halaman tidak diketahui