غير أن الأمر لم يستتب نهائيا على هذا الوضع، فإن رغبة الصليبيين الجامحة في امتلاك موطن المسجد الأقصى لم تهن أو تضعف، والاعتداء يغري بالاعتداء مرارا؛ ولذلك كانت المدينة الواحدة، مثل عكا وبيت المقدس، كانت تنتقل من طرف إلى طرف أكثر من مرة، كما هو معروف من التاريخ. (د)
وكان من ذلك أن رأينا الحرب سجالا بين الطرفين، وأن خرج كثير من الفرنج في البحر إلى الشام وأرسوا بعكا وبيتوا أمرهم على قصد بيت المقدس؛ استنفادا له من المسلمين، وكان هذا سنة 600 على ما يقصه علينا ابن الأثير، ثم كثرت غاراتهم ببلاد الشام على ما يرويه المؤرخ نفسه في أحداث سنة 604.
وبعد بضع سنوات رأى الفرنج أن يشغلوا مصر بنفسها حتى لا تمد يدها لنجدة الشام، وطمعا فيها نفسها من ناحية أخرى، فسارت منهم جموع كثيرة بحرا إلى دمياط، وبعد حصار طويل وقتال شديد استولوا عليها، ولكنهم لم يلبثوا بها إلا يسيرا؛ إذ اضطرهم جيش مصر إلى الجلاء عنها سنة 618 بعد أن ذهب الكثير ما بين قتيل وأسير وغريق في البحر، بحمد الله تعالى.
12 (ه)
وننتهي من هذا العرض الموجز بالإشارة إلى أن الفرقة دبت بين ملوك بني أيوب بعد وفاة أبيهم السلطان صلاح الدين حتى صاروا أحزابا وفرقا، فقويت نفوس الفرنج بكثرتهم وبمن جاءوا إليهم من البحر، فطلبوا من المسلمين أن يردوا إليهم ما كان صلاح الدين افتتحه من أيديهم، وتم الصلح على أن يرد إليهم بيت المقدس وحده فتسلموه، وكان هذا سنة 626،
13
ثم استرده المسلمون منهم بحمد الله سنة 636.
14
وهكذا كان ذلك العصر مليئا بالأحداث السياسية، وكان أهم هذه الأحداث ما نعرفه من غارات الفرنج والتتار مجتمعين ومنفردين على الشام ومصر، والمعارك التي قامت بين المسلمين وبينهم على مدى الزمان، حتى أدال الله منهم، وتخلص منهم الإسلام وبلاده إلى غير رجعة.
الفصل الثاني
Halaman tidak diketahui