ولما دخل السلطان مصر لم يكن له هم الا لقاء الشيخ ابن تيميه، فوجه اليه بعد وصوله بيوم او يومين! فقدم الشيخ تقى الدين الى السلطان فاكرمه وتلقاه وتعانقا، ثم انفردا ساعه يتحدثان ثم عادا ويد الشيخ بيد السلطان! فجلس السلطان، وعن يمينه القاضى، وعن يساره الوزير، وجلس الشيخ بين يدى السلطان على طرف طراحته.
واستوسقت الاحوال للشيخ في ظل السلطان، الصديق الحميم.
ولم يذكر عنه انه ازعج السلطان في امر يمسه او يمس سياسته من امر بمعروف او نهى عن منكر، مع شيوع الفحشاء، واتساع اسواق الخمر والحشيشه برعايه السلطان، وتفشى الظلم والاستبداد. بل كان مذهبه: وجوب الطاعه للسلطان، وحرمه الخروج عليه وان كان ظالما، لان الشر المتولد عن ذلك اكثر من النفع والخير!.
ويقول: ان بعض السلف كانوا يقولون: لو كان لنا دعوه مجابه لدعونا بها للسلطان، برا كان او فاجرا!.
فغلبت تلك الفتاوى عندهم حتى قوله تعالى: ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار)!.
تلك الفتاوى التى ما نسجت اول مره الا لتثبيت حكم الامويين الذى لم يتحقق الا بالخروج على الامام البر التقى على بن ابى طالب (ع)، فلا بد من فتوى توطد اركانهم!.
واى فتوى اتقن من هذه! فالطاعه ليست للبر وحده، بل للفاجر ايضا على حد سواء، بعدما ايقنوا انهم الفجار.
تلك الفتاوى التى قادتنا الى حد من الهوان، تباع فيه اوطاننا، وتمتهن كرامتنا، ويذبح ابناونا على مراى ومسمع منا، في ظل سلاطين اذل من العبيد، يتسابقون في الركوع لادنى همسه يهمس بها اسيادهم من اعداء الدين والوطن واهل الوطن، وما زال السلطان هو السلطان، يقول الشهادتين!! برا كان او فاجرا، وما زالت الفتوى عينها دينا يتعبد به، لا لشيء الا لان المفتى يخشى ان يثقل كاهله ثمن الحريه التى لا يعرف لها معنى! (فالشر المتولد عن ذلك اكثر من النفع والخير)!!.
Halaman 45