Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Penerbit
دار الفكر العربي
علم ابن تيمية ومصادره
١٠٣- انتهينا من بيان حياة ابن تيمية، وأفضنا القول فيها، وتتبعناه يافعاً يسترعي الأنظار بقوة ذهنه، وحافظته ووعيه؛ ثم شاباً قد استوى وجلس مجلس العلماء يشرح ويوضح؛ ثم مجاهداً يحمل السيف، ثم مناظراً يقرع الحجة بالحجة ويكون له الفلح حيثما ناقش وأطلقت له حرية القول؛ ثم كهلًا انصرف للعلم والحق الذي يعتقده لا يألو جهداً فيه، يغضب الأولياء لصراحته؛ ويثير الأعداء بقوة شكيمته، ثم يتخلى ذوو السلطان عن نصرته، ليظهر السيف مصقولاً، والعالم غير معتمد إلا على رب العالمين: ولم نتعرض في هذه الرحلة لبيان مقدار علمه ولا مصادره إلا بمقدار ما يوضح ناحية من حياته.
والآن نشير إلى علمه وبعض مصادره، ثم نفصل من بعد ذلك في قسم قائم بذاته بعض آرائه ونختار منها ما يميز خواص تفكيره من بين العلماء، وأبعدها أثراً من بعده؛ ونوازن بينها وبين غيرها من الآراء لنبين وجهة الفريقين.
١٠٤- لقد أجمع الذين عاصروه على قوة فكره، وسعة علمه، وأنه بعيد المدى، عميق الفكرة؛ يستوي في ذلك الأولياء والأعداء، فإن تلك القوة الفكرية هي التي أثارت الأولياء لنصرته؛ وأثارت الأعداء لعداوته؛ ولو كان هيناً في ذاته أو فكره، ما تحركت مناوأة المناوئين؛ وما استعانوا بالقوة المانعة عن القول، وقد عجزوا عن مجاراته، فالجميع إذن مقر بقوة عقله وعلمه، يستوي في ذلك العدو والولي، وما بين هؤلاء وهؤلاء، ولكن موضع الخلاف بين الأعداء والأولياء هو في الموافقة على الرأي الذي كان ينادي به؛ لا في قدر المنادي وقوته في العلم والفكر، وإذا كان الناس قد غضوا من قدره كعالم جليل، فليس ذلك من صميم قلوبهم إن كانوا عالمين، بل من الهوى الذي يغلب الفكر والعقل، وليس هذا شأن علماء الدين؛ أما الجاهلون فلا عبرة بقولهم إن أيدوا أو خالفوا؛ فقولهم لم يدخل في الحساب.
ولسنا نريد أن نعد العلماء الذين عاصروه وأثنوا عليه، فإنهم لا يحصون
93