84

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Penerbit

دار الفكر العربي

وقد استمر الشيخ في دراسته الفقهية وغيرها. وإن كان الفقه له الصدارة في هذا الدور من حياته، وترك ذلك الأثر الخالد الذي جعل منزلته الفقهية لا تقل عن منزلته الكلامية، بل تزيد، وهي التي جعلت آراءه لا تقف عند جيله، بل تتعدى إلى الأجيال ويجد فيها كل مصلح علاجاً.

المحنة الأخيرة

٩١- استمر الشيخ في دروسه، وكانت في مدرسة الحنبلية، أو مدرسته الخاصة به بالقصاصين. وكان يقرأ كتبه ويراجعها ويصلح فيها ويزيد، ومكث على ذلك بضع سنين يبحث وينقب، ويفيض بعقله الخصب، وقلبه الخافق، ونفسه الفياضة على سامعيه، حتى جاءت سنة ٧٢٦، فأمر بالانتقال إلى القلعة.

وذلك لأن الذين يتربصون به الدوائر، أو يريدون أن يكف عن بعض آرائه، أو يحسدون عليه منزلته عند الناس، وعند ذوي السلطان أخذوا يحصون عليه الهفوات، وقد تعددت مقاصدهم؛ وتباينت أغراضهم، فمنهم من كان يريد الكيد له كالصوفية والرافضة الذين استتروا لينفثوا في الجماعة تفكيرهم من حيث لا يشعر أحدهم، ومنهم من يأكل قلبه الحسد، والحسد يدفعه إلى تدبير الكيد كالفريق الأول، ومنهم من له فضل تقى ولكن يأخذ على الشيخ أنه خرج بأقوال لم يقلها أحد من الفقهاء، وقد التقى رأي هذه الطوائف في أمر واحد، وهو أن تقيد حرية الشيخ في القول والإفتاء، وإن اختلفت الدوافع.

أخذوا يبحثون عن رأي له يعلمون أنه يكون أكثر تحريكاً للنفوس، وإثارة لقلوب الأمراء الذين بيدهم الأمر ومصاير الحريات، ولم يعجزهم البحث والتنقيب، لأن ذلك الشيخ الحر كان يعلن آراءه في غير احتراس ولا خوف مادام الدليل يثبت بين يديه، وينير السبيل أمامه؛ فإنه لا يعبأ إلا بالحجة والدليل من مصادر الدين الصحيحة، ولا يهمه بعد ذلك أوافقه الناس أم خالفوه.

٩٢- وقد وجدوا ضالتهم التي ينشدونها في فتوى أفتاها منذ سبع عشرة سنة

83