57

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Penerbit

دار الفكر العربي

أن يتكلم، فلم يمكنوه لما يعرفون من قوة بيانه، وموقع كلامه، وجابهوه بالاتهام. وتولى الادعاء عليه زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية، فادعى عليه أنه يقول إن الله فوق العرش حقيقة، وأن الله يتكلم بحرف وصوت. فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه، فقيل له أجب ولا تخطب، فعلم أنها المحاكمة، لا المجادلة، فقال: من الحاكم في، فقيل له القاضي المالكي، فقال له الشيخ كيف تحكم في وأنت خصمي، فغضب غضباً شديداً وانزعج، وحبس الشيخ رحمه الله، وآل أمره رضي الله عنه إلى الحبس المعروف بالجب، وشاركه في محبسه أخواه شرف الدين وزين الدين.

٦١- كان الشيخ على الحق في امتناعه عن التحاكم إلى زين الدين بن مخلوف قاضي المالكية، إن زين الدين هذا كان فيه قسوة في أحكامه، خصوصاً على العلماء الذين يخالفون بآرائهم وتفكيرهم ما عليه العامة وما عليه الفقهاء، فقد حوكم بين يديه سنة ٧٠١ بعض كبار العلماء اتهم بتنقيصه للشريعة واستهزائه بالآيات المحكمات ومعارضة المشتبهات بعضها ببعض، فحكم عليه بالإعدام، ومع أنه كان له فضل ظاهر، وفضيلة واضحة، ورأي العلماء فيه في الجملة جيد، حتى أنه لما استغاث بابن دقيق العيد، وقد كان شيخ علماء الحديث في عصره وقال له ما تعرف مني؟ قال: أعرف منك الفضيلة، ولكن حكمك إلى القاضي زين الدين، ولم تشفع تلك الشهادة، بل لم تخفف الحكم بالإعدام، ومن الغريب أن القاضي المالكي مكث في القضاء ثلاثاً وثلاثين سنة من سنة ٦٨٥ إلى سنة ٧١٨.

فهل كانت حصافة وأرب من الشيخ ألا يحكم فيه ذلك القاضي الذي يقضي بالإعدام عند الاشتباه في أمر العلماء وفتاويهم؟ لعله لاحظ ذلك، ثم التناقض بينهما فإنه لا شك أن الفكرين متناقضان تمام التناقض فكر ابن تيمية وفكر ذلك القاضي المالكي، ذلك بأن ابن تيمية منطلق محلق في سماء الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح في نظره سواء أخالف في ذلك ما عليه الناس أم وافقهم، فهو يعمل على تغيير ما عليه أوضاع الناس إن لم يمت بنسب إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة، فهو ليس عبداً للمألوف، ولكنه حاكم بحكم الله عليه، وذلك

56