Anak Sultan
ابن السلطان: وقصص أخرى
Genre-genre
فأجابتني في جد: لقد استيقظ من نومه منذ قليل. - وإلى أين ذهب؟ - سافر إلى القرية المجاورة. - ومتى يعود؟ - سيعود في قطار الليل. - الليل؟ - نعم. في الساعة التاسعة.
وفتحت الباب. واستطعت أن أرى يدها المشلولة مخضبة بلون الحناء. وابتسمت وهي تغلق الباب من خلفها. قلت لها وأنا أضحك: هه ... ها أنت قد تزوجت. فأجابت في هدوء: الحمد لله. لقد تزوجت!
لا شك أن هذه المرأة مجنونة. الأمر كله مزاح فكيف تصدقه. ولكن ... أأكون أنا المخطئ؟ كيف لا أصدق عيني؟ قالت أمي: إنك قد تركت النار تأكل جسدها وروحها ... وسافرت. وها أنت تعود بعد غربة طويلة، ولا تدري عنها شيئا. نحن الذين تعذبنا من بعدك. قلت لها: ولكن كيف تعذبت؟
قالت أمي وصوتها المبحوح يختلج في حلقها: لقد خرجت في تلك الليلة إلى المحطة، كما قال لنا جيراننا الذين شاهدوها هناك. انتظرت حتى أتى قطار الليل، وأفرغ من فيه من المسافرين. كانت تسأل كل من تجده في طريقها: «ألم تر زوجي؟ ألم تر زوجي؟» ولما لم يكن أهل القرية يعرفون زوجها فقد كانوا ينظرون إليها طويلا. ويبتعدون عنها هاربين.
وحين عادت إلى البيت في تلك الليلة باكية تلقيتها بين ذراعي. كانت تبكي كما لا يمكن أن تبكي امرأة في الوجود. نعم يا ابني. أنا التي تحملت ذلك العذاب كله. وأنت تعرف مشاركة النساء لبعضهن. فبكيت معها. قلت لها لا تحزني. سوف يعود في الغد. اذهبي إليه وستجدينه في قطار الليل. وسوف يقفز من القطار إليك أو يعتذر إليك عن تأخيره. قلتها كلمة عابرة وليتني ما قلتها. فما كنت أحسب أنها ستصبح قاعدة سلوكها مدى عشر سنين أو عشرين سنة.
قلت وأنا أحبس أنفاسي: كيف حدث هذا يا أمي: فقالت مؤكدة: إني جادة كل الجد. - أكانت تخرج كل ليلة؟ - إلى المحطة ... تنتظر قطار الليل وتسأل المسافرين عن زوجها الذي لم يعد. - وريح الليل الباردة - في الشتاء - تأكل عظامها؟ - نعم ... نعم، هذا ما كان يحدث؛ لقد عرفها ناظر المحطة وعرفها من بعده ثلاثة نظار آخرون شغلوا هذه الوظيفة من بعده. وعرف جنود الحراسة مشيتها فما يسألونها إلى أين هي ذاهبة، كلهم عرفوا حكايتها. وأما أنا فقد كبرت هذه المرأة في عيني، عرفت عاطفتها، فاحترمتها وأكبرتها. لم أسئ إليها يوما، ولم أسخر بها. أنا التي تحملت ذلك العذاب كله.
قلت وأنا أضع رأسي في يدي: كل هذا وأنا لا أدري! قالت أمي وهي تدعوني إلى النوم شفقة علي من متاعب السفر: لقد رأيتها بنفسك. عادت بعدك بقليل، بعد أن فات القطار الذي جئت فيه. قلت وأنا أغمض عيني: نعم، نعم. قالت أمي وهي تتثاءب: أرأيت مثل هذا الزواج؟
فقلت وأنا أسحب الغطاء على وجهي: إنه زواج أبدي. •••
أنا ما زلت لا أعرف مما حدث شيئا. حين أنفرد بنفسي أقول ربما عاد سيد البشلاوي حقا إليها بعد أن نمنا. ولكن هذا التصور محال، وإلا فكيف أنكر عقلي؟ إن الأمر كله كان مزاحا، وكنت أقدر أن ينتهي في ساعة، فكيف به يستمر عشر سنين أو تزيد؟ إن سيد لم يكن يستطيع أن يهتدي إلى بيتنا بعد أن ينام أصحابه، ولغير سبب، أو أعزو ما حدث إلى «الإيحاء» الذي عرفت به حين كبرت؟ كيف تبلغ قسوة الإيحاء هذا المبلغ؟ لو كانت عقيدة من العقائد لتغيرت أو لا نمت من الوجود - الزمان الطويل قادر على أن يغيرها ويمحوها. أنا الآن أحاول أن أريح نفسي. أقول لها إن ذلك سر يربط نفوس البشر ويكبر عن التفسير، سر وراء العقل، من هذه الأسرار التي تملأ علينا فراغ المكان، وتهوم من حولنا، وتهبط على نفوسنا في لحظات نادرة. منا من يستسلم لها كأنه متصوف، ومنا من ينكرها. نعم ... نعم، أنا لا أحاول أن أفسر ما حدث، كفاني أني أحسست به.
احترمت جنونها، ورحمته، أكبرت عاطفتها للرجل الذي رأته مرة واحدة فارتبطت معه بهذا الزواج الأبدي. ولم أتبرأ من الذنب الصغير الذي ارتكبته ذات يوم.
Halaman tidak diketahui