والأمر التاريخي الذي نرغب في الإشارة إليه هو وجود تقسيمات سكلاسية كبيرة بادية من إنشاء أنواع المنطق في ذلك العصر إنشاء حرا، ولدينا رسالة صغيرة في تقسيم العلوم معزوة إلى ابن سينا،
6
تعين هذا التقسيم بكل ما يبتغى من وضوح.
لقد قسم المنطق - خلا العلوم الأخرى في هذه الرسالة - إلى تسعة أقسام مطابقة لكتب أرسطو الثمانية المسبقة بإيساغوجي فرفريوس، وقد عبر عن موضوع هذه الأقسام التسعة والكتب التي تطابقها على الوجه الآتي، وهو: إن موضوع القسم الأول هو الألفاظ والمعاني، ويشتمل عليه كتاب «إيساغوجي». وإن موضوع القسم الثاني هو عدد المعاني الذاتية والشاملة بالعموم لجميع الموجودات، ويشتمل عليه كتاب قاطيغورياس «المقولات». وإن موضوع القسم الثالث هو تركيب المعاني المفردة حتى تصير قضية، ويشتمل عليه كتاب أرمينياس «العبارة». وإن موضوع القسم الرابع هو تركيب القضايا لتكوين دليل يعرف به المجهول، ويشتمل عليه كتاب أنولوطيقا الأول «التحليل بالقياس».
وإن موضوع القسم الخامس هو الشروط التي يجب أن تقوم بها مقدمتا القياس، ويشتمل عليه كتاب أنولوطيقا الثاني «البرهان». وإن موضوع القسم السادس هو القياسات المحتملة النافعة عند عدم وجود البرهان التام، ويتضمنه كتاب طوبيقا «الجدل». وإن موضوع القسم السابع هو المغالطات، ويتضمنه كتاب سوفسطيقا «نقض شبه المغالطين». وإن موضوع القسم الثامن هو تعريف المقاييس الخطابية البلاغية النافعة في مخاطبات الجمهور، ويتضمنه كتاب ريطوريقا «الخطابة». وإن موضوع القسم التاسع هو الكلام الشعري، ويشتمل عليه كتاب أبوطيقا «الشعر».
وأقام فرفريوس - الذي اتفق لكتبه في المنطق نفوذ عظيم في القرون الوسطى - نوعا من فلسفة اللسان ما بقي معه أداة لاصقة بمنطقيات أرسطو وما راق معه العرب، على الخصوص، بما فيه الكفاية، وذلك بمقدمته للمنطق أو بإيساغوجي. والعرب قد بدوا نحويين بارعين جدا، والعرب قد قاموا بتقديس لغتهم باكرا جدا، فحللوها بحس فلسفي عميق، وكان لسانهم نفسه يفتح سبيلا لهذا العمل؛ أي كانت العبارة العربية، البسيطة المرنة المؤلفة من جمل قصيرة عناصرها ذات أدوار محددة بلا التباس، ويربط بينها على مائة شكل مختلف ألهوة من الحروف، حسنة الإعداد للقياس السكلاسي، وكان من طبيعة طريقة اشتقاق الكلمات التي تتناول الفكرة في أصلها أول الأمر، فتدل بعدئذ على جميع الوجوه وجميع المظاهر بوساطة عدد قليل من الحروف الطارئة أو التحولات اللفظية، أن تشحذ الذهن الفلسفي وتساعده.
وقد قامت مدرستا نحويي العرب العظيمتان - أي مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة - باكرا، وذلك منذ القرن الأول بعد الهجرة، فدرستا الأشعار القومية القديمة وآي القرآن، وجعل الوحي القرآني المنزل بلغة العرب من غير أن تجوز ترجمته هذا اللسان مبجلا مقدسا حتى عند الأجانب، فبادر هؤلاء إلى خدمة مجده.
أجل، ترى نتيجة أعمال هؤلاء النحويين الأولين قد كثفت في كتب ظهرت بعد زمن، ولكن مع القدم البالغ، ككتاب النحو المشهور لسيبويه الفارسي، ما دام هذا العلامة قد توفي سنة 177 أو سنة 180 من الهجرة، ومن ثم ترى أن اللسان العربي درس فلسفيا قبل بدء الحركة الفلسفية العظيمة، وأن النحويين وضعوا - كما وضع فرفريوس - ضربا من إيساغوجي أو مقدمة للتوسعات التي تقع فيما بعد.
وقد يكون من المفيد أن يذكر كيف يظهر هذا القسم الأول من المنطق في هذه المناهج السكلاسية القديمة. ويدور الأمر - كما هو معلوم - حول القيمة التي تكون للكلمات بالنسبة إلى المعاني التي تنطوي عليها، فيرى هناك ما يكون اللفظ المفرد واللفظ المركب، واللفظ الذاتي واللفظ العرضي، والمعين والمطلق، والكلي والجزئي. ويعرف هناك ما تكون الألفاظ الخمسة التي هي: جنس، ونوع، وفصل، وخاصة، وعرض عام، وكيف يجب أن يجاب عن السؤالين: ما هو؟ ما هذا الشيء؟ فهذان السؤالان يؤديان إلى مذهب المقولات ومذهب العلل، بيد أن هذين المذهبين لم يلمسا غير لمس سطحي جدا في هذا البدء، ولأن ينتظر للكلام عنهما خير من أن نلقاهما في مكان آخر.
وكذلك ترتبط دراسة القضايا المعدة لتأليف عناصر القياسات في التحليل النحوي، وقد قام ابن سينا بهذه الدراسة بكل عناية وتفصيل، ولا سيما في «الإشارات».
Halaman tidak diketahui