وظهر صابئي آخر، نال شهرة كبيرة أيضا، ولكن مثل عالم على الخصوص، وهو محمد بن جابر البتاني، ومن المحتمل أن كان أصله من «بتنان سروج» بالعراق، وقد عاش في الرقة، وقد كان رياضيا وفلكيا مفضالا، واتفق لأزياجه الفلكية صيت بعيد في جميع القرون الوسطى، التي كانت تذكره باسم
Albategnus ، ويرى أنه كان يعرف اليونانية، وشرح المقالات الأربع لبطليموس، وقوم المجسطي، وكتبا كثيرة لأرشميدس، وقام البتاني بأرصاده بين سنة 264 وسنة 306، وكان ذا صلة بجعفر بن الخليفة المكتفي.
وكان أبو جعفر الخازن، وأكثر ما يكنى بابن روح، رياضيا أيضا، وكان فلكيا وعلى شيء من الفلسفة، ونقل من السريانية إلى العربية شرح الإسكندر الأفروديسي للجزء الأول من طبيعيات أرسطو، وأعيد النظر في هذه الترجمة من قبل يحيى بن عدي، وكان ابن روح صديقا للفيلسوف المسلم: أبي زيد البلخي، الذي سنلقاه في الفصل الآتي.
ولذا؛ فإنه يمكن أن يلاحظ في ملة الصابئين المذكورة الممتعة اتصال الفلسفة بدراسة العلوم الهندسية والرياضية والفلكية اتصالا وثيقا. أجل، إن هذا الظرف كان يشتق في الظاهر من عادة هؤلاء العلماء القديمة في عبادة النجوم ورصدها، بيد أنه كان كذلك على اتفاق مع روح الأفلاطونية الجديدة. •••
ويظهر من هذا الفصل - الذي تكمل نتائجه فيما بعد - أنه كان لدى الشرقيين - قبل زمن ابن سينا - أدب فلسفي كثير الغنى قليل الامتزاج.
وكان أرسطو يسيطر عليه، وكان أرسطو يظهر فيه بكتبه الخاصة وبشراحه: الإسكندر الأفروديسي وثامسطيوس وأمونيوس ويوحنا فلبونس، وكان هذا الأخير - المعروف جيدا لدى العرب باسم يحيى النحوي - يسوق المدرسة اليونانية حتى عتبة الإسلام. والواقع أنه مات قبل الهجرة بسنين قليلة، حتى إن القصة الإسلامية تمد في أيامه، وتأتي به أمام فاتح مصر الهائل، عمرو بن العاص، كيما يتوسل إليه أن يبقي مكتبة الإسكندرية.
ويأتي بعد أرسطو أفلاطون، الذي يصعب فهم فلسفته أكثر من فلسفة أرسطو، والذي تعد فلسفته أقل مادية وأقل حفظا بالعنعنات المدرسية، فكان العرب أقل اطلاعا عليها مما على فلسفة خلفه لا ريب، ويأتي دون هذين الأستاذين موكب على شيء من عدم الالتحام يماز فيه الأفلاطوني الجديد فرفريوس، والطبيب جالينوس، والفارسي ماني، والأدري مرقون، وكثير غيرهم أيضا، وكان ينشأ عن هذا المجموع عنعنات فلسفية توفيقية كثيرة القرب من الأفلاطونية الجديدة.
ويصرح المسعودي تصريحا كافيا بأن الفلسفة الأكثر اعتبارا في زمنه (وقد توفي سنة 345)، هي فلسفة فيثاغورس،
54
ويجب أن تكون الأفلاطونية الجديدة هي المقصودة، وما سنقول عن الفارابي سيأتي مؤيدا لهذا البيان الموكد على ما أعتقد، وكان السريان يولعون بالأدب الحكمي، الذي يلائم انتشار الأفلاطونية الجديدة التوفيقية، فتجد مجموعات الأمثال التي يظهر فيها فيثاغورس وأفلاطون ومناندر وسكندوس إقبالا كبيرا.
Halaman tidak diketahui