Ibn Sina Faylusuf

Paulus Messaad d. 1307 AH
40

Ibn Sina Faylusuf

ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته

Genre-genre

وغني عن البيان أن ابن سينا يردد في إلهياته أن الله هو المبدأ الأول للموجودات بأسرها، وأن قوته وفاعليته تمتدان إلى كل درجة من درجات الحقيقة؛ فإذن يلزم أن تمتد معرفته إلى كل درجة من درجات الحقيقة.

وإذ قرر أن الله يعرف الأشياء بمقدار ما يعرف ذاته؛ نظرا لكونه يعرف فعله وقوته، نراه يضيف على ما تقدم مبرهنا أن الله هو مبدأ جميع الأشياء، ولكن ليس كل الأشياء تصدر عنه بنظام واحد؛ بل بعضها يشتق عنه مباشرة والبعض الآخر بواسطة، وخصوصا الموجودات الفاسدة فإنها تصدر عن البسائط غير الفاسدة، فينتج من ذلك أن الله يرى في ذاته قبل كل شيء المخلوقات التي لا تقبل الانحلال، ويرى المخلوقات أو الموجودات التنويه بالأغيار؛ أي بعللها الخاصة، وبعبارة أدق: إن الله يعقل البسائط بذاته؛ لأنه عقل وعاقل ومعقول جوهري، وبما أن الأشياء المركبة تصدر عن البسائط، وهو تعالى يعرف البسائط معرفة تامة، بان أنه يعرف المركبات بعللها الخاصة التي هي البسائط. وهذا كما لا يخفى تحليل عميق؛ ولكي يقرب نظريته هذه من الأفهام يضرب للدارس مثلا غريبا، وهو:

افترض أن زيدا من الناس عالم نابغة يعلم الحركات السماوية كلها بمقدرة تفوق الوصف، فهو بالوقت نفسه يعلم كل كسوف وكل اتصال وانفصال جزئي يكون بعينه، ولكن على نحو كلي، فيخبرك بالكسوف الفلاني قبل حدوثه بزمان طويل، ولا يبقى عارضا من عوارض ذلك الكسوف إلا يعلمك إياه، فعندئذ يكون علمه كليا؛ لأن هذا المعنى قد يجوز أن يحمل على كسوفات كثيرة كل واحدة منها تكون حاله تلك الحال، إلا أنه يعلم بنوع ما أن ذلك الكسوف لا يكون إلا واحدا بعينه، فيكون أن فيلسوفنا يبني نظريته هذه على هذا المبدأ: «إذا وقعت الإحاطة بجميع الأسباب في الأشياء ووجودها انتقل منها إلى جميع المسببات.»

5

إن العقل النظري في الإنسان هو السبب الوحيد للعقل العملي والإرادة هي التي تحرك أعضاءنا للعمل، فتكون القوة غير الإرادة فينا.

أما واجب الوجود فليس محتاجا إلى شيء من ذلك؛ لأن عقله وإرادته وعلمه وصفاته هي ذاته. من هذا ينتج:

أن القدرة التي له هي كون ذاته عاقلة للكل عقلا هو مبدأ للكل لا مأخوذا عن الكل، ومبدأ بذاته لا متوقف على وجود شيء. (نفس الصفحة)

وهذا حقيقي؛ لأن الله يعرف ذاته ووجوده وما هو مبدأ له حتى إنه يرى وجوده فائضا في الوجود؛ فإذن الله يعرف بجوهره؛ لكونه العلة الأولى الشاملة نظام الموجودات بأسرها وفيض جوده فيها. •••

وبعد هذا نرى من المناسب أن نأتي على رأي القديس توما في هذا الموضوع نفسه؛ لنعلم أن بين هذين الفيلسوفين اتفاقا على بعض المبادئ الأولية؛ ولنطلع أيضا على غموض وإسهاب الفيلسوف العربي ووضوح وإيجاز الفيلسوف اللاتيني، ولعل هذا راجع إلى عقلية الاثنين التي تختلف عن بعضها اختلافا شاسعا.

إن ابن أكوينيا في المجلد الأول من خلاصته اللاهوتية (بحث 214) قد كرس الفصل الحادي عشر لدرس هذه المسألة، وبعد أن أورد الصعوبات التي تقف سدا بوجه الباحث على جاري عادته في تلك الخلاصة المنقطعة النظير، أخذ يبرهن على أن الله يعرف الجزئيات: (1)

Halaman tidak diketahui