Leibniz (1646-1716) في الممكنات المجتمعة بعيد من مذهب ابن رشد في الممكنات المخلوقة لحكمة إلهية، فخلاصة مذهب ليبنتز أن تغيير ممكن واحد ليس بالمستحيل، ولكن تغيير الممكنات التي يتمم بعضها بعضا ويتعلق بعضها بغرض البعض الآخر هو المستحيل؛ ولهذا كان يقول عن هذه الدنيا إنها أحسن دنيا ممكنة، وهذا بعينه هو كلام ابن رشد حين رد على القائلين بجواز تغيير الممكنات، وإن هذا العالم كله جائز أو غير واجب الوجود فهو قابل للتغيير، فإن جواب ابن رشد على هذا القول كما قدمناه أن المخلوقات التي خلقها الله على صورة من الصور لحكمة يريدها لا يمكن أن تتغير، وإلا كان خلقها على تلك الصورة عبثا، والعبث مستحيل في حق الله.
وللفيلسوف الإنجليزي دافيد هيوم
Hume (1711-1776) كلام عن المعجزات وكلام عن الأسباب قريب جدا من كلام ابن رشد
21
في براهين المعجزات، ومن كلام الغزالي الذي يرد عليه، ومذهب الغزالي في الأسباب معروف، وهو أن السبب على اصطلاحنا في العصر الحاضر «ظاهرة» تقترن بالشيء وليست هي علة وجوده، وهو مذهب يوافق آراء العلماء المحدثين الذي يقررون أن كلمة العلم هي وصف الظواهر المقترنة، وليس من مهمته أن يصل إلى العلل ولا سيما العلة الأولى.
ولدافيد هيوم غير ما تقدم رأي في الشخصية الإنسانية يقارب من بعض الوجوه رأي أرسطو كما جاء في شروح ابن رشد، وكثرت فيه أقوال المؤيدين والمعارضين في القرن الرابع عشر وما بعده إلى أيام هيوم، ومؤدى رأي هيوم هذا في الشخصية الإنسانية أنه يراقب نفسه كثيرا ويتعمق في المراقبة، فلا يحس وراء الانفعالات الحسية والخواطر المنتزعة منها شيئا يدل على كيان مستقل يسمى النفس أو الذات، ويشبه هذا الرأي أن يكون كرأي أرسطو في الشخصية الإنسانية خلوا من العقل الإلهي؛ فإنها عنده جسم له وظائف جسدية أو نفس نامية ونفس شهوانية، ولا حقيقة وراء ذلك إذا استثنينا العقل الذي هو عام غير منقسم ولا منفصل في ذات شخص من الأشخاص.
وأقرب من هيوم إلى عصرنا وليام جيمس إمام مذهب البرجمية (1842-1910) الذي يقول في مبادئ علم النفس:
أعترف بأنني في اللحظة التي أتحول فيها إلى مباحث ما وراء الطبيعة، وأحاول أن أزيد من التعريف، أرى أن القول بضرب من العقل العام
Anima Mundi
يفكر فينا جميعا هو رأي مأمول على الرغم من صعوباته خير من القول بجملة من النفوس الفردية المنقسمة تمام الانقسام.
Halaman tidak diketahui