157

Ibn Rumi: Hidupnya dari Puisinya

ابن الرومي: حياته من شعره

Genre-genre

فهما خلقان متباينان، وقد يكونان في بعض الأحيان متناقضين، فيسخط الإنسان بل يدوم سخطه وليس في قلبه من الحقد أثر، وقد تكون كثرة سخطه لكثرة استجابته للمؤثرات الجديدة الطارئة التي تتعاقب على حسه؛ أي لقلة حقده وقلة إصراره على البغض القديم.

والحقد توءم الحسد في خلة الأثرة الحيوانية والأنانية الصماء، فلهذه الخلة يستكبر الحاقد الإساءة الصغيرة إلى نفسه، كما يستكثر الحاسد النعمة القليلة على غيره، والسبب في الحالتين واحد؛ وهو أنه لغلوه في حب نفسه، واستغراقه في الأثرة الحيوانية لا يريد أن يساء هو، ولا أن يسر غيره، وليس يعنيه أن يساء بالحق أو بغير الحق، وأن يكون عاديا في هذه الإساءة أو معدوا عليه، فإن ذلك كله من وراء تفكيره وحسابه، ولا فرق عنده بين أن يظلمه الناس في الإساءة إليه أو ينصفوه، وبين أن يسيئوا إليه بالعدوان عليه أو بصده هو عن العدوان.

فمن الحاقدين من يحقد على الناس لأنهم أبوا عليه أن يضرهم ليستفيد من ضررهم، ووقفوا بينه وبين مصلحته، ولو كان وقوفهم هذا من حقهم ولإنقاذ حياتهم! وهو لا يكفر بالعدل ولا يكره العدوان لأنه جور وعسف، ولا يعرف من الكراهة إلا أن يكره ما يسوءه كائنا ما كان، وبالغا ما بلغ فيه العذر والاضطرار. وهذا غير الشعور الذي يشعر به المرء حين يعتدى عليه بغير الحق، فيسوءه ذلك، ثم يتوالى العدوان فيتوالى الاستياء، ويطول السخط والامتعاض؛ فإن من النبل أن يغضب المرء للعدوان وقع به ووقع بغيره، فإن لم يرتفع بغض العدوان إلى مقام النبل، فهو لا يهبط بصاحبه إلى ما دون منزلة العذر المعقول والطبع المستقيم.

من هذا القبيل كان شعور ابن الرومي حين توالت عليه أسباب السخط، فتوالى سخطه وغضبه، وتواصلت شكواه وضجره، فكل سبب كان يثيره فهو سبب «أخضر» لا مشابهة فيه لأسباب الحقد التي يطول ثواؤها بالضمير حتى تفسد وتتعفن، أو تيبس وتتحجر.

وما كان لطبيعة مهتاجة كطبيعة ابن الرومي طاقة بضرب من الإحساس غير ذلك الذي نسميه «بالأخضر»؛ لحدته وحرارة نبضه، وسرعة أثره وسرعة زواله، وأنى لمثل هذه الطبيعة إصرار الحقد وتدبيره، وثباته على ما فيه بين تقلب الحوادث وتجدد المسرات والمصائب؟ كل ما تطيقه هذه الطبيعة من الشعور هو ذلك الشعور الذي تحضره أسبابه، وتلح عليه مؤثراته، فإذا كانت الأسباب لا تزال مؤلمة مغضبة، فالألم دائم والغضب لازم، والناس يقولون حينئذ: إنه الحقد، وإنه الضغينة، وإنه خلق ذميم وطبيعة رديئة؛ لأن الحقد هو الاسم الذي يطلقه العامة على الاستياء إذا دام واتصل، وتوالت موارده فتوالى وجوده، ولأنهم ربما بلغوا من بلادة الأنانية وقلة الإحساس بمعنى العدل أن يسيئوا إلى المستضعف المخذول، ولا يتوقعوا منه الألم والاستياء ... ولم لا؟ ألا يسرهم أن يعبثوا به ويتماجنوا عليه؟ فما باله إذن لا يسر بما به يسرون، ولا يضحك هو كما هم يضحكون؟!

فكل ما كانت تطيقه طبيعة ابن الرومي من الشعور هو ذلك الذي تحضره أسبابه، وتلح عليه مؤثراته، فإذا غابت الأسباب وفترت المؤثرات نسي شعوره في لمحة عين، وانقلب إلى نقيضه، وفي قصته مع الأخفش عبرة لمن شاء أن يعرف ما وراء سخطه من الطيب والغفران والمودة، فقد صمد الأخفش ما صمد من الزمن يعبث به، ويثقل عليه في العبث حتى منعه أن يبرح بيته ويتصرف لمعاشه، فعاتبه ابن الرومي فلم يرعو، وأنذره فلم يحفل، وقال له يتوعده:

لا يأمنن السفيه بادراتي

فإنني عارض لمن عرضا

عندي له السوط إن تلوم في الس

ير وعندي اللجام إن ركضا

Halaman tidak diketahui