درسها ونظرها، وإنفاقًا لليله ونهاره في مطالعتها، مع ما آتاه الله - سبحانه - من قوة الذكاء، وسعة الحفظ، ونور البصيرة، ومع ما وصف به من شدة الحب للعلم كما تقدم، فانتفع لأجل ذلك كله بهذه الكتب.
وربما يكون ابن القَيِّم ﵀ قد نَسَخَ جملةً من هذه الكتب بخطه، فقد قال ابن كثير ﵀: "وكتب بخطه الحسن شيئًا كثيرًا"١. وقال ابن رجب: "وكتب بخطه ما لا يُوصَف كَثْرَةً"٢.
وقد يكون المراد بذلك: ما كتبه تصنيفًا، ولكن لا يمتنع - أيضًا - كتابته شيئًا من ذلك على سبيل النسخ، وبخاصة في مرحلة الطلب.
وعلى كل حال، فإن الذي يهمنا هو أن ابن القَيِّم ﵀ قد حصَّل من الكتب ما لم يحصله غيره، ويظهر ذلك واضحًا عند النظر في قائمة المصادر التي اعتمدها في مؤلفاته، فقد كانت تلك المصادر غزيرةً وفيرةً، وكانت - في الوقت نفسه - قيِّمة ونفيسة، مع تنوعها واختلاف فنونها٣.
وليس أدل على ضَخَامَةِ المكتبة التي خَلَّفَهَا ابنُ القَيِّم ﵀-وكثرةِ كتبها، مما حكاه الحافظُ ابن حجر: من أن أولادَ ابن القَيِّم ظلُّوا "يبيعون منها بعد موته دهرًا، سوى ما اصطفوه لأنفسهم"٤.
١ البداية والنهاية: (١٤/٢٤٦) .
٢ ذيل طبقات الحنابلة: (٢/٤٤٩) .
٣ انظر ما سيأتي من الكلام على مصادر ابن القَيِّم في كتبه ص: (٢٦٧) .
٤ الدرر الكامنة: (٤/٢٢) .