Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence
ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه
Penerbit
دار الفكر العربي
Lokasi Penerbit
القاهرة
مصاحبته لعلماء من عصره ومراسلته لهم تفيضان بالبشر والمحبة والإخاء والوداد مما يدل على أنه رجل كان يأنس بالناس ويوادهم ويخالطهم برفق المودة ولطف العشرة، ولكنهم أخذوا عليه مخالفته لمالك، ورموه بسوء الرأي أو على الأقل الجامدون منهم، فعندئذ لم يجد مندوحة عن إغضابهم، أو إغضاب الحق، وعن منافرتهم أو منافرة الرب كما قرر، فاختار أن ينافرهم ويغضبهم. ويرضى الله والحق. فإن كان قد ترك سياسة العلم التي كان يصطنعها بعض علماء عصره، فقد اختار سياسة الحق التي تجعله ينطق بما يرى، ويصدع به بين الناس.
ولقد كانت إذن صراحة ابن حزم في القول ثمرة إخلاصه في طلب الحقيقة، وطلب الحق في الدين. وما كان لمثله أن يرضى بالدنية في دينه. فكان ما كان.
٨٣ - ولكنا بعد ذلك الحكم نقول إن ابن حزم كانت فيه حدة. فهو لا يكتفي بالتصريح المجرد بالحق وبيان الدليل، بل ربما فرطت منه عبارات قوية فيها بعض العنف. مثل قوله في تخطئة بعض الآراء إن هذا خطأ شنيع وإن الحدة من العلماء أمر غير محمود بلا ريب، ولكن مع ذلك يجب أن نقرر أن حدته كان سببها أمرين:
(أحدهما) ما أحسه من إرادة السوء به وإنزال الأذى، وأي أذى أشد وأعظم أثرًا في نفس العالم من أن يرى جهوده وثمرات فكره تحترق بين يديه ويشهد العالم احتراقها، إن ذلك يخرج الحليم عن حلمه، فكان بلا شك كيد خصومه له من أسباب حدته بل إنه أعظم أسبابها وإنا كنا نريد من ذلك العالم العبقري والحكيم الخلقي أن يعلو عن الحدة حتى في هذه الأحوال.
(الأمر الثاني) الذي ولد الحدة في خلقه هو مرض أصابه وإنه ليذكر ذلك بصراحته التي عهدناها فيه. فيقول رضي الله عنه: ((لقد أصابتني علة شديدة ولدت في ربواً في الطحال شديداً، فولد ذلك علي من الضجر، وضيق الخلق، وقلة الصبر والنزق أمراً جاشت نفسي فيه إذا أنكرت تبدل خلقي ،
71