Ibn Hanbal: His Life and Era – His Opinions and Jurisprudence
ابن حنبل حياته وعصره – آراؤه وفقهه
بعد إزالة ما يثار من الشك حول هذه النسبة - سنجد فقها خصبا قويا حيا تجلى فيه عنصران، كلاهما أمده بقوة، حتى كان واسع الرحاب في باب التعامل أكثر من غيره من ضروب الفقه: (أحد العنصرين) أن فقه أحمد هو الفقه الذي يتجلى فيه الفقه الأثري بأقوى ما يكون التجلي، وأوضح ما يكون الظهور، فهو يختار آراء الصحابة، وإذا كان للصحابة رأيان، يختار من بينهما، بل يختارهما أحيانا، ويكون في المسألة عنده رأيان، وكان ذلك وقوفا عند الأثر؛ لأنه لا يرى لنفسه الحق في الترجيح بين آراء أولئك العلية الأكرمين من غير نص أو قريب منه، إذ الترجيح يقتضي بيان نقص في أحدهما، وكمالا في مقابله، وهو لا يعطي نفسه هذه الرتبة إلا بنص أو قريب منه، ولا يضعها في هذه المنزلة من غيره، وإنه لفرط تأثره طريق السلف، واقتفائه أثر الصحابة ليبدو فيما يجتهد فيه من الفتاوى التي لا نص فيها ولا أثر، أن اجتهاده فيه مسلك الصحابة، بالمشاكلة، والمشابهة؛ وإن لم يكن بالنص.
(العنصر الثاني) - أنه في باب التعامل إذا لم يكن نص ولا أثر ولا مقايسة لواحد منهما، يترك الأمر على أصل الإباحة الأصلية، ولذلك كان في العقود والشرط أوسع الفقه الإسلامي رحابا وأخصبه جنابا، لأنه جعل الشروط والعقود الأصل فيها الصحة، حتى يقوم الدليل على البطلان، فهو لا يحتاج في صحتها إلى دليل، كما سلك جمهور الفقهاء المسلمين، أو يحتاج إلى الدليل في البطلان لا في الصحة، وسنجعل لذلك مكانا من دراستنا، لتتبين خصائص ذلك المذهب الخصب القوي.
٧ - هذا وإننا إذ ندرس ذلك المذهب الجليل سندرس لا محالة أمرين: (أحدهما) - الأصول التي قام عليها الاستنباط في ذلك المذهب، وكيف استخرجت فروعه، (وثانيهما) - القواعد الضابطة لفروعه، المتقصية لأشتات المسائل، والجامعة لأكثر ثمرات الاجتهاد فيه، وإن الأصول والقواعد جميعا لم تكن كلاهما من صنع الإمام أحمد، ولم تؤثر عنه بالنقل تفصيلا، ولكنها فصلت تفصيلا من بعده، مستنبطة من الفروع بالجمع بين العناصر المؤدية واستنباطها، واستخراج أصل جامع أو قاعدة ضابطة. والفرق بين الأصل والقاعدة - على ما سنوضح في موضعه - أن الأصل هو
10