ويروي لنا محيي الدين أنه كان يسير في رفقة من أصحابه؛ رجال العلم والتقوى، ونظر فرأى الخليفة قادما، فقال لأصحابه: من بدأه منكم بالسلام، أوقعت به لديه؛ فإن السنة أن يسلم الراكب على المترجل، وما تعود الخليفة ذلك.
ووصل الخليفة إليهم، فلم يلقوا إليه بالسلام، وتعجب الخليفة؛ ولكنه نظر فرأى محيي الدين، فألوى بزمام دابته، وقال: السلام عليكم ورحمة الله، فقالوا: وعليكم السلام ورحمته وبركاته.
وتبسم الخليفة، وقال: رحمكم الله، لقد أحييتم سنة محمدية كريمة، وعلمتموني واجبا.
قال الفيروز آبادي صاحب القاموس: لقد رأيت إجازة بخط الشيخ، كتبها للملك المعظم صاحب حلب، ورأيت في آخرها: «وأجزت له أيضا أن يروي عني كتبي وجميع مؤلفاتي، ومن جملتها كذا وكذا حتى عد نيفا وأربعمائة مؤلف، منها: التفسير الكبير، الذي وصل فيه إلى قوله - تعالى:
وعلمناه من لدنا علما .»
وتلك الوثيقة التاريخية؛ التي ينقلها لنا الفيروز آبادي، تدل على تلمذة الملوك له، وحرصهم على اقتناء مؤلفاته التي أربت على أربعمائة مؤلف.
يقول محيي الدين: «وإياك وصحبة الملوك، إلا أن تكون مسموع الكلمة عندهم؛ فتنفع مسلما أو تدفع عن مظلوم، أو ترد سلطانا عن فعل ما يؤدي إلى الشقاء عند الله.»
ولقد وفى محيي الدين بقوله وشروطه؛ فعاش في حدود تلك الكلمات الغالية، فكان شفيعا لعامة المسلمين عند الملوك، مدافعا عن المظلومين، ناصرا للحق والدين، رادا للملوك عن فعل ما يؤدي إلى الشقاء عند الله.
وتلك رسالة لا ينهض بها إلا رجال الروح والإيمان، من أمثال محيي الدين، ومن في الناس كمحيي الدين؟
المعراج الأخير
Halaman tidak diketahui