الحضور مع الحق في جميع حركاتك وسكناتك، وأوصيك بالإنفاق في السراء والضراء، والشدة والرخاء؛ فإن ذلك دليل على ثقة القلب بما عند الله، فإن البخيل جبان يأتيه الشيطان، فيمد أمله ويطيل عليه عمره، ويقول له: إن أنققت هلكت وبقيت بلا شيء مثلة بين أصحابك وأمثالك، فأمسك عليك مالك، واستعد لصروف الزمان، ولا تغتر بهذا الرخاء الذي أنت تراه، فإنك لا تدري ما يحدث الله في العام المقبل، وأما إن كان في وقت الضراء والشدة، فيقول له: أمسك عليك مالك ولا تعط أحدا منه شيئا؛ فإنك لا تدري متى تنقضي هذه الشدة، ولا تحسب هذا الأمر إلا في زيادة، واحفظه على نفسك، فإن أحدا لا ينفعك إذا لم يبق لك شيء، وتنفر الناس منك وتثقل على الخلق، ويذهب ماء وجهك، فإذا استمرت هذه الوسوسة الشيطانية على قلب المسكين أدته إلى البخل والشح، وحالت بينه وبين قوله - تعالى:
ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ، وبين قوله - تعالى:
ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه .
وعندنا في الطريق: أن الرجل إذا لحق بأهل الله - تعالى - وبأوليائه ثم بخل، فإنه يستبدل وينزل من ذلك المقام، ثم يجعل فيه كريما من كرماء الخلق، قال الله - تعالى - عقيب هذه الآية:
وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ، وحالت بينه وبين قوله - تعالى:
وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه ، وحالت بينه وبين قوله - تعالى - في دعوة موسى - عليه السلام - على فرعون، لما أراد إهلاكه دعا عليهم أن يرزقهم الله البخل، فقال:
ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم ؛ فضيعوا فقراءهم حتى هلكوا جوعا، فأخذهم الله، وحالت أيضا بينه وبين قوله
صلى الله عليه وسلم : «أنفق بلالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا.» وحالت بينه وبين قوله - عليه الصلاة والسلام: «إن لله ملكين في كل يوم يناديان عند كل صباح: اللهم أعط كل منفق خلفا، وكل ممسك تلفا.» وحالت بينه وبين حاله
صلى الله عليه وسلم
حين أعطي الكنزين، فاختار تركهما على أخذهما، وبين فعل أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - حين جاء إلى النبي - عليه السلام - بجميع ماله كله، فقال: «ما تركت لأهلك؟» فقال: الله ورسوله. وجاء عمر - رضي الله عنه - بنصف ماله، وترك النصف لأهله، فقال لهما النبي
Halaman tidak diketahui