ويقترن بهذا الطور، أو يأتي بعده، طور التمييز الواضح بين عمل الدين والعبادة، وعمل السحر والطلاسم السحرية، فلا يستطيع الساحر ما يستطيعه الكاهن، ولا يقصد الكهان عامة فيما يقصد فيه السحرة عامة، وربما تولى الوظيفتين رجل واحد، ولكنه وهو كاهن إنما يتوسل إلى الآلهة ويتحرى رضاها بالصلوات التي يحسنها دون غيره، أما وهو ساحر فهو يسخر الأرواح أو يعاملها على أساس التواطؤ والتعاون على العمل الكريه، الذي ينفر منه المشتركون فيه ولا يجهرون بسره عن رضى واختيار.
وكلما اتضح التمييز بين العبادة والسحر اقترب الإنسان من الطور الآخر الذي يستقل فيه بمشيئته بين الوظيفتين.
ففي الحياة البدائية يظل الإنسان رهينا بمشيئة الأرواح التي تنفع وتضر، وتنطوي على الصداقة أو على العداء، وكلها في رأيه تعمل ما يحلو لها، ولا يحق لأحد أن يحاسبها عليه، ولكنه كلما ترقى في التمييز بينها ملك الميزان الذي يزن به أعمالها وأقدارها، فيدين بعضها ويحمد بعضها، ويعرف منها مرءوسين ورؤساء يحق لهم أن يشرفوا عليها ويحاسبوها على أعمالها، وأحس في طويته أن يطيع بعضها ضرورة وغصبا، ويطيع بعضها حبا واختيارا؛ لأنه أهل للطاعة والرجاء.
ومن هنا تصبح الأرواح نفسها مطيعة أو عاصية، وماضية على السنن القويم أو منحرفة عن هذا السنن إلى الخطة العوجاء التي ينكرها كبار الأرباب.
ومتى أتيح للإنسان مقياس يقيس به الأرواح والأرباب، ويقيس به أعمالها وحقوقها، فهو إذن أهل للمشيئة والتبعة، وأهل للتمييز بين الخير والشر، وبين سلطان الإله وسلطان الشيطان.
أنواع الشيطنة
ما هي أنواع الشيطنة في العالم؟
سؤال غريب، ولكنه يبدو طبيعيا، بل ضروريا إذا وضع في صيغة أخرى فسألنا: ما هو موقف الشر بالنسبة إلى القوة الكونية الكبرى؟
وهنا أيضا نتبين أن فكرة الشيطان أعمق جدا مما يخطر للمتعجل الذي يحسب أنه يحل كل مشكلة بكلمة الوهم أو التلفيق، أو يحل كل مشكلة بإحالتها إلى جهل الأقدمين وضلالهم في الحس والتفكير.
فهناك صور للشيطنة بمقدار ما في الذهن البشري من فكرة عن الشر في هذا الكون: هل الشر قوة أصيلة؟ هل هو قوة إيجابية عاملة؟ هل هو قوة سلبية؟ هل هو عدم الخير؟ هل هو نقص الخير؟ هل هو عقبة في طريق الخير؟ هل هو عقبة تريد وتعمل ما تريد؟ هل هو عقبة لا إرادة لها، ولكنها تضاعف جهود الخير وتستدعيه إلى مزيد من الحركة والثبات؟
Halaman tidak diketahui