وليتسلم أدعياء العلم هذا النوع الإنساني قبل مائة قرن، وليأخذوا في تعليمه الأبجدية من هذه الدروس.
ولنفرض أولا فرضا مستحيلا، وهو أنهم سيكونون قبل مائة قرن على معرفة بما يسمونه اليوم خرافة، وما يسمونه تحقيقا، وما يسمونه دراسة منطقية أو علمية.
وليبدأ النوع الإنساني في هذه المدرسة بفلسفات الأخلاق على مذاهبها وفروضها واحتمالاتها وردودها ومناقشاتها.
وليحفظ فلسفات الأكاديمية كلها ويتخرج عليها.
ولقد حفظها، ولقد تخرج منها بما شاء له أدعياء العلم من آراء.
ولقد وصلنا بعد الرحلة الطويلة إلى القرن العشرين، فماذا نقول؟
نقول: إن هذا في الحق هو حديث الخرافة الذي لا يعدو الألفاظ والعناوين وأسماء المدارس والمريدين.
لكن النوع الإنساني ترك هذه الأكاديمية قبل مائة قرن، وأمعن في طريقه الذي هداه إليه القدر، وأعدته له الفطرة.
ونتيجة هذا الطريق أنه أعطى الحياة النابضة لكل خلق من أخلاق الخير والشر والقداسة واللعنة، وإن أعلم العلماء اليوم لا يستطيع أن يقيم من الفوارق الحية المحسوسة بين خلق وخلق فارقا واحدا، كالفارق الذي نفهمه ونحسه ونحياه حين نتكلم عن الخلائق الإلهية، والخلائق الملكية، والخلائق الشيطانية، أو عما يجملها من الخلائق السماوية، والخلائق الأرضية، والخلائق الجهنمية.
إن العلماء الذين يستعيرون تعبيراتهم المجازية من هذه الفوارق لا يفعلون ذلك لعبا بالألفاظ، أو تظرفا بالتمثيل والتشبيه، ولكنهم يستعيرون ذلك التعبير لأنه أدل وأوضح وأقوى من كل تعبير يستعيرونه من المدرسة النفعية، والمدرسة السلوكية، والمدرسة الانفعالية، ومدارس روح الجماعة وتضامن الهيئات والبيئات وما إليها من ألفاظ ناصلة، ومعان حائلة، وأسماء لم تخلق من مسمياتها شيئا. وهيهات أن تخلقه ولو تسمت بها مئات القرون، وغاية ما تبلغه أنها تأتي إلى محصول القرون بعد زرعه ونمائه واستوائه وحصده، فتكتب العناوين على غلاته وبيادره، ولا تأمن بعد ذلك أن تضل بين تلك العناوين التي كتبتها بيديها!
Halaman tidak diketahui