١٦ - بَاب مَا نزل فِي التَّحْلِيل
﴿فَإِن طَلقهَا فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَإِن طَلقهَا فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا أَن يتراجعا إِن ظنا أَن يُقِيمَا حُدُود الله﴾
قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِن طَلقهَا﴾ أَي الطَّلقَة الثَّالِثَة الَّتِي ذكرهَا سُبْحَانَهُ بقوله ﴿أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان﴾ فَإِن وَقع مِنْهُ ذَلِك فقد حرمت عَلَيْهِ بالتثليث سَوَاء كَانَ قد رَاجعهَا أم لَا وَسَوَاء انْقَضتْ عدتهَا فِي صُورَة عدم الرّجْعَة أم لَا ﴿فَلَا تحل لَهُ من بعد﴾ وَالْحكمَة فِي شرع هَذَا الحكم الردع عَن المسارعة إِلَى الطَّلَاق وَعَن الْعود إِلَى الْمُطلقَة الثَّالِثَة وَالرَّغْبَة فِيهَا ﴿حَتَّى تنْكح زوجا غَيره﴾ أَي حَتَّى تتَزَوَّج زوجا آخر غير الْمُطلق بعد انْقِضَاء عدتهَا من الأول فيجامعها وَالنِّكَاح يتَنَاوَل العقد وَالْوَطْء جَمِيعًا وَالْمرَاد هُنَا الْوَطْء وَقد أَخذ بِظَاهِر الْآيَة سعيد بن الْمسيب وَمن وَافقه فَقَالُوا يَكْفِي مُجَرّد العقد لِأَنَّهُ المُرَاد وَذهب الْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف إِلَى أَنه لَا بُد مَعَ العقد من الْوَطْء لما ثَبت عَن النَّبِي ﷺ من اعْتِبَار ذَلِك وَهُوَ زِيَادَة يتَعَيَّن قبُولهَا وَلَعَلَّه لم يبلغ ابْن الْمسيب وَمن تَابعه
وَفِي الْآيَة دَلِيل على أَنه لَا بُد أَن يكون ذَلِك نِكَاحا شَرْعِيًّا مَقْصُودا لذاته لَا نِكَاحا غير مَقْصُود لذاته بل حِيلَة للتحليل وذريعة إِلَى ردهَا إِلَى الزَّوْج الأول فَإِن ذَلِك حرَام للأدلة الْوَارِدَة فِي ذمه وذم فَاعله وَإِن التيس الْمُسْتَعَار الَّذِي لَعنه الشَّارِع وَلعن من اتَّخذهُ لذَلِك أخرج الشَّافِعِي وَعبد الرَّزَّاق وَابْن أبي شيبَة وَأحمد وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت جَاءَت امْرَأَة رِفَاعَة الْقرظِيّ إِلَى رَسُول الله ﷺ فَقَالَت إِنِّي كنت عِنْد رِفَاعَة فطلقني فَبت طَلَاقي فتزوجني
1 / 40