فقال : يا أبا بكر ، حججت فلم أرم قبر العبادي. قال : ولم ترمه (رحمه الله)؟! كان رجلا صالحا ، أمر بمعروف فقتل فهذا قبره. ويسميه ابن جبير في رحلته (1): المرجوم ، قال : نزلنا بموضع يعرف ببركة المرجوم ، وهي مصنع ، وقد بني له ما يعلوه من الأرض مصب يؤدي الماء إليه على بعد ، وأحكم ذلك إحكاما يدل على قدرة الاتساع وقوة الاستطاعة. ولهذا المرجوم المذكور مشهد على قارعة الطريق ، وقد علا كأنه هضبة شماء ، وكل مجتاز عليه لا بد أن يلقي عليه حجرا. ويقال : إن أحد الملوك رجمه لأمر استوجب به ذلك ، والله أعلم. وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب ، وبادروا للحين بما لديهم من مرافق الأدم يبيعونها من الحاج ، وكان هذا المصنع مملوءا من ماء المطر ، فغمر الناس وعمهم والحمد لله. وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة من آثار زبيدة ابنة أبي جعفر ابن المنصور ، زوج هارون الرشيد وابنة عمه. انتدبت لذلك مدة حياتها ، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى كل سنة من لدن وفاتها إلى الآن ، ولو لا آثارها الكريمة في ذلك لما سلكت هذا الطريق ، والله كفيل بمجازاتها والرضا عنها. وجاء في المخطوط : حدثني محمد بن موسى ، عن محمد بن السري ، عن هشام بن محمد الكلبي قال : أخبرني أبو بكر بن عباس ، عن أخيه عمرو بن عباس ، عن ابن كثير : أن روزبة بن بوذر جمهري بن ساسان كان همذانيا ، وكان على فرج من فروج الروم فأدخل عليهم سلاحا فأخافه الأكاسرة ، فلحق بالروم فلم يأمن حتى قدم سعد بن أبي وقاص فبنى له القصر والمسجد ، وكتب معه إلى عمر فأخبره بحاله فأسلم ، وفوض له عمر في الديوان ، وأعطاه وصرفه إلى سعد مع أكرياء له. والأكرياء يومئذ هم العباد ، حتى إذا كان بهذا الموضع مات فحفروا له ، ثم انتظروا من يمر بهم فليشهدونه على موته ؛ ليبرؤوا من دمه ، فمر قوم من الأعراب وقد حفروا له على الطريق فأشهدوهم على ذلك ، وأوردوهم إياه ودفنوه ، فقالوا بعد ذلك : قبر العبادي ؛ لمكان
Halaman 82