ميلدا بيوكانن
الهروب
سمعت كارلا صوت السيارة وهي قادمة حتى قبل أن تعتلي ذلك المرتفع الصغير في وسط الطريق، والذي يطلقون عليه التل هنا في الجوار. إنها هي، هكذا قالت لنفسها. رأت السيدة جاميسون - سيلفيا - في طريقها إلى منزلها بعد أن أمضت إجازتها في اليونان. ومن خلال باب الإسطبل - حيث وقفت مبتعدة حتى لا يستطيع أن يلمحها أحد بسهولة - راحت ترقب الطريق الذي كان على السيدة جاميسون أن تقطعه بالسيارة؛ فقد كان منزلها يبعد حوالي نصف ميل بطول الطريق عن منزل كلارك وكارلا.
ولو أن أحدا على وشك الانعطاف بسيارته مقتربا من بوابة منزلهم، لكان عليه أن يهدئ من سرعته الآن، ولكن لا يزال الأمل يداعب كارلا، فقالت في نفسها: «ليتها لا تكون هي.»
ولكنها كانت هي بالفعل. التفتت السيدة جاميسون مرة واحدة صوب منزل كارلا بسرعة - وقد كانت تبذل أقصى ما تستطيع وهي تراوغ بسيارتها عبر الحفر الصغيرة والأوحال التي خلفها المطر على الأرض المفروشة بالحصى - بيد أنها لم ترفع يدها عن عجلة القيادة لتلوح بها؛ إذ إنها لم تلحظ كارلا. لمحت كارلا ذراعها المكتسبة سمرة من الشمس وقد كشفت عنها حتى كتفها، وشعرها وقد أضحى فاتحا عن ذي قبل؛ فقد أصبح يميل أكثر الآن إلى اللون الأبيض منه إلى اللون الأشقر الفضي، وقد لمحت أيضا تعبيرا ينم عن الإصرار والحنق، وقد كانت هي نفسها منشغلة بهذا الحنق، تماما على النحو الحري بالسيدة جاميسون وهي تقطع مثل هذا الطريق. عندما أدارت السيدة جاميسون رأسها كان هناك شيء أشبه بالنظرة اللامعة - التي تشي بالتساؤل والأمل - وهو الأمر الذي جعل كارلا تجفل.
إذن.
ربما لم يعلم كلارك بقدومها بعد. إن كان يجلس أمام جهاز الكمبيوتر، فلا بد وأن ظهره كان باتجاه النافذة والطريق.
ولكن قد تضطر السيدة جاميسون إلى أن تقطع رحلة أخرى، فربما لم تتوقف عند أي من محال البقالة لابتياع احتياجاتها وهي في طريقها من المطار إلى المنزل؛ إذ إنها لن تفعل حتى تصل إلى المنزل وترى ما الذي تحتاجه؛ وعندئذ قد يراها كلارك، أو قد يعرف بقدومها عندما يهبط الظلام وتضاء أنوار منزلها، ولكنه شهر يوليو، ولا يحل الظلام حتى وقت متأخر، وربما يواتيها الشعور بالتعب والإرهاق فلا تحفل بأمر الأضواء، وقد تأوي إلى الفراش مبكرة.
ولكنها من ناحية أخرى، قد تهاتفهم في أي وقت من الآن. •••
إنه موسم الأمطار، بل الأمطار الغزيرة؛ فهي أول شيء يترامى إلى مسامعك في الصباح؛ حيث تتساقط زخاتها محدثة صوتا عاليا على سطح المنزل المتنقل. وترى الطرق وقد تراكمت بها الأوحال، والحشائش الطويلة غمرتها مياه المطر، وأوراق الشجر تبعث بالماء المنهمر على نحو عشوائي بين الحين والآخر حتى في تلك الأوقات التي لا تنهمر خلالها الأمطار وتبدو السماء وكأنها في سبيلها إلى الصفاء. وكانت كارلا كلما ذهبت للخارج في ذلك الوقت ترتدي تلك القبعة العالية العريضة من اللباد ذات الطابع الأسترالي القديم، وتدس بجديلتها الكثيفة الطويلة داخل القميص الذي ترتديه.
Halaman tidak diketahui