قالت الممرضة وهي ذاهبة: «يا لها من خدعة!»
قال نيل لجريس: «إنك لا تريدين العودة إلى المنزل بعد، أليس كذلك؟»
قالت جريس: «بلى.» قالتها وكأن الكلمة مكتوبة أمامها على الحائط، كما لو أنها تجري اختبارا على بصرها.
ومرة أخرى ساعدها لكي تدلف إلى السيارة، وقد تدلت فردة الحذاء من خلال الرباط الملفوف حول أصابع قدمها، واستقرت جريس فوق فرش السيارة ذي اللون الكريمي، وقطعوا طريقا خلفيا عندما غادروا المرأب؛ وهو طريق غير مألوف خارج المدينة. كانت تعرف أنها لن ترى موري، ولم يكن عليها أن تفكر به، أو تفكر كثيرا في ميفيس.
وإذا ما وصفت جريس تلك الفترة؛ ذلك التغير في حياتها فيما بعد، فإنها ستقول - أو قالت بالفعل - إنه كان أشبه بالبوابة التي أغلقت خلفها محدثة صوتا عاليا، لكنه لم يكن صوتا عاليا في وقته؛ بل هو خضوع غمرها بأكملها، وتلاشت أحقية الذين خلفتهم وراءها في أي شيء.
ظلت ذكرياتها عن ذلك اليوم واضحة ومليئة بالتفاصيل، بالرغم من أنها أدخلت بعض الاختلافات على أجزاء منها حينما كانت ترويها.
وحتى في بعض هذه التفاصيل، ولا بد وأنها كانت مخطئة. •••
قاد أولا باتجاه الغرب على الطريق السريع 7، وحسبما تذكر جريس، فلم يكن هناك أي سيارة أخرى تسير على الطريق السريع، وقد اقتربت سرعتهم من الطيران عند اجتيازهم الطريق السريع، ولكن لا يمكن أن يكون ذلك حقيقيا؛ فلا بد وأنه كان هناك بعض الأشخاص على الطريق؛ أشخاص في طريقهم للعودة إلى منازلهم في صباح ذلك الأحد؛ في طريقهم لكي يمضوا عيد الشكر مع عائلاتهم؛ في طريقهم إلى الكنيسة، أو عودتهم إلى منازلهم من الكنيسة. ولا بد أن نيل قد أبطأ من سرعته حينما كان يمر من خلال القرى، أو عند أطراف المدينة، أو عند اجتياز أي من المنعطفات على الطريق السريع القديم. لم تكن معتادة على ركوب السيارات المكشوفة، والرياح تغشي عينيها، وتداعب خصلات شعرها. هذا في حد ذاته منحها الشعور الزائف بالسرعة الشديدة، بل بالتحليق عاليا؛ بالطمأنينة التي تشبه المعجزة وليست المحمومة.
وبالرغم من أن موري وميفيس والعائلة قد سقطوا جميعا من ذهنها، إلا أن السيدة ترافرس ظلت باقية تحلق، وتوصل في همس، وبضحكة غريبة مخزية، رسالتها الأخيرة. «تعرفين كيف تفعلين ذلك.»
بالطبع لم يتحدث نيل وجريس، وكما تتذكر، كان على المرء أن يصرخ لكي يسمعه الآخر. وما تتذكره، في حقيقة الأمر، لا يختلف كثيرا عما كان في مخيلتها في ذلك الوقت عما عساه الجنس أن يكون؛ المقابلة التي حدثت مصادفة، الإشارات الصامتة وإن كانت قوية، الرحلة الصامتة تقريبا والتي كانت ترى نفسها فيها أسيرة على نحو أو آخر، الاستسلام الحالم الخيالي؛ فجسمها الآن ما هو إلا تيار من الرغبة الجارفة التي تجتاحها.
Halaman tidak diketahui