Kebebasan Manusia dan Sains: Masalah Falsafah
الحرية الإنسانية والعلم: مشكلة فلسفية
Genre-genre
وهذا ما عبر عنه عالم الفسيولوجيا الفرنسي كلود برنار
Claude Bernard (1813-1878) في كتابه «مدخل إلى دراسة الطب التجريبي» (عن الترجمة العربية، ص43 وما بعدها)، قائلا: «أما عن كونه الركيزة، فكما أن الإنسان في حالة المشي الطبيعي للجسم لا يستطيع السير إلا بوضع قدم أمام الأخرى، فإنه كذلك في حالة السير الطبيعي للذهن، لا يستطيع التقدم إلا بوضع فكرة أمام الأخرى، وهذا معناه أنه لا بد للذهن من نقطة ارتكاز أولى، شأنه في هذا شأن الجسم سواء بسواء، ونقطة الارتكاز هذه هي مبدأ الحتمية المطلقة، ولولاها لكان قد قضي على الإنسان وعقله أن يدور في دائرة مفرغة وألا يتعلم شيئا قط.» هكذا آمن العلماء، ولم يكتفوا بأنه الأساس، بل سلموا أيضا بأن الغرض الأول من كل دراسة علمية تجريبية أيا كان موضوعها هو «الوصول إلى الحتمية الشاملة، والتي هي الحقيقة المطلقة»، وبالتالي هدف العلم النهائي، وفي غضون الطريق السائر من ذاك الأساس إلى الهدف المنشود، يظل مبدأ الحتمية هو أيضا المحك التجريبي، فالعلاقات الحتمية هي مقياس الحقيقة المنشودة، والحتمية الشاملة المطلقة التي تخضع لها الظواهر، والتي نشعر بها شعورا قبليا هي المحك الوحيد، أو المبدأ الوحيد الذي يسندنا في وصولنا إلى النظريات العلمية، وفي حكمنا عليها - كما يقول كلود برنار أيضا، في مرجعه المذكور.
إلى كل هذا الحد سلم العلماء تسليم البداهة، بأن مبدأ الحتمية هو المعبر الوحيد المفضي إلى العلم الحقيقي، وبأن إليه وحده يرجع الفضل في كل ما أصابه العلم من تقدم، فسرعان ما جعل التسليم به قوانين العلم تتدفق بسلاسة من نجاح إلى نجاح أعظم ، ومن يقين إلى يقين أدق، ومن عمومية إلى عمومية أشمل.
ومن الناحية الأخرى أكد اطراد الطبيعة البادية أمام أعين العلماء في ذلك العصر، وتواتر صدق قوانين العلم عليها، من خضوع هذه الطبيعة للحتمية الشاملة، تضافرت إذن الأنطولوجيا مع الإبستمولوجيا في تأكيد الحتمية الشاملة، ورفعها فوق أي نقاش أو جدل.
وها هنا نلاحظ أن الخطورة الفلسفية لمبدأ الحتمية العلمية، أتت من التجادل بين كونه أنطولوجيا وإبستمولوجيا (أي وجوديا ومعرفيا) في آن واحد، إنه تصور لطبيعة العلم وطبيعة قوانينه، ولا غرو، فهذا صورة لذلك كما أوضحنا.
أنطولوجيا:
تعني الحتمية أن نظام الكون مطرد ثابت شامل، لا يشذ عنه في أي زمان ولا في أي مكان شيء، فهو ذو علاقات علية (سببية) ضرورية ثابتة، تجعل كل حدث من أحداثه نتيجة ضرورية (معلولا) لما سبق، ومقدمة شرطية (علة) لما سيلحقه، وبالتالي فكل ظاهرة فيه وكل حدث وكل واقعة ... محكومة بشروط تلزم حدوثها اضطرارا، أي خاضعة لقانون محدد، ولا شيء البتة يحدث كمصادفة.
وإبستمولوجيا:
تعني الحتمية عمومية قوانين العلم وثبوتها واطرادها، فلا تخلف ولا اتفاق ولا عرضية ولا استثناء، ولأن كل حدث محتوم وسواه مستحيل، فإن كل تنبؤات العلم يقينية، وهكذا كل قوانينه ونظرياته، يقين في يقين في يقين، واليقين هو التحديد المطلق الجازم الذي لا خطأ فيه ولا احتمال البتة، إنهم يعملون بالرياضيات الإقليدية، فلا يعرفون إلا قيمتي الصدق والكذب ولا وسط بينهما، وصحيح أن الظواهر التي بدت مصادفة وموضع احتمال قد لفتت أنظارهم، حتى إن رجالات ذلك العصر هم مؤسسو الإحصاء وحساب الاحتمال، إلا أنهم فسروه تفسيرا ذاتيا - أي بإرجاعه إلى الذات العارفة وليس موضوع المعرفة، إلى الإنسان وعجزه عن إدراك العلل الحقيقية، نسبة الاحتمال إذن تعبر عن الجهل فالعلم لا يكون إلا يقينا، وهي مسألة مؤقتة ستضمحل بالتقدم العلمي، لنصل يوما ما إلى اليقين في هذه الظواهر كما وصلنا إليه في سواها، إن اليقين هو التمثيل العيني للعلم بعالم يسير في مسار محتوم.
وقد أصبح يقين العلم - وبالتالي حتميته - مسألة مثبتة حينما أصبح العلم رياضيا، فالرياضيات دائما هي النموذج الأمثل للضرورة ولليقين المطلق، على سطح الأرض وتحته وفي المريخ، وفي كل مكان في الدنيا وفي الآخرة ... تظل دائما «2 + 2 = 4» ويظل المثلث شكلا محوطا بثلاثة أضلاع؛ لأن نفي هذا يعني نفي أن المثلث مثلث! وطالما أمكن التعبير عن القوانين الفيزيائية في صورة معادلات رياضية، فمعنى ذلك أن الضرورة الرياضية قد تحولت إلى حتمية كونية، ولما أصبحت الرياضيات هي لغة العلم الحديث، اتضح أن الضرورة الحتمية هي نظام العالم.
Halaman tidak diketahui